من يعلمه بوصولك ومعك في رانك هذه الخشكنانة ومعك أنت خشكنان غيره، فإذا فعلت ذلك لا بد أن ينزل ويلتقيك من قلعة عزاز، ويعرض عليك الصعود والنزول عنده، فقال له: أنا موجل ومستحلف أن لا أنزل على الأرض، ولا آكل لك طعاماً، وطول الحديث معه إلى أن تعلم أنه قد جاع، ثم اذكر أنت الجوع واخرج لك خشكنانة من الذي معك، ثم أخرج المسمومة فادفغها إليه، وكل أنت التي لك وتحدث معه ويكون حديثكما على فرسيكما وأنتما بمعزل من أصحابكما، وطول معه الحديث ولا تبرح حتى يستوفي أكلها، وعلامة صدقك موته، وإلا ضربت عنقك.
قال أبو نصر بن النحاس: فنزل علي من ذلك أمر تمنيت الموت معه فخرجت وأنا على غاية من الجزع والتأسف كيف قضى الله ذلك على يدي، وجعلت دقعة أعول على الهرب، ثم إني أفكر في أولادي وأهلي، وإنني إن فعلت ذلك أهلكتهم لعلمي بظلم صاحبي، ثم إن الفرسان متوكلة بي.
فلما اجتمعت به فعلت ما ذكره لي، ثم ودعته عند استيفاء أكل الخشكنانة ورجعت من موضعي مبادراً، وأبعدت من أرض عزاز، وركنت جنيباً كان معي وجديت في السير خوفاً من الطلب وصعد أبو محمد إلى المركز، فوجد مغصاً شديداً ورعدة، ثم قال: لاقتله أخي أبو نصر، اطلبوه فركبت الخيل خلفه فلم تلحقه.
ووصل أبو نصر فاجتمع بمحمود، فعرفه ما جرى فلما كان من ذلك الغد وصل رسول من عزاز يستدعي الشريف النقيب أبا المعالي الفضل بن موسى وابنه سنان بن أبي محمد الخفاجي، وجماعة من أهله وذكر الرسول أنه في السياق فمنع محمود ولده من الخروج، وأمر الشريف أن يتولى القلعة إلى أن ينفذ إليها والياً، فولاها بعد خمسة أيام وأحداً من أصحابه.
وتوفي أبو محمد في قلعة عزاز في سنة لست وستين وأربعمائة، وقيل سنة أربع وستين وهو الصحيح، وحمل إلى حلب، وصفى عليه الأمير محمود بن صالح وقيل: إنه توفي في سنة ثلاث وستين والأول أصح ولما أحس بالموت عمل:
خف من أمنت ولاتركن إلى أحد ... فما نصحتك إلا بعد تجريب
إن كانت الترك فيهم غير وافية ... فما تزيد على غدر الأعاريب
تمسكوا بوصايا اللؤوم بينهم ... وكاد أن يدرسوها في المحاريب