جميعها وأقام حسين بن الدوح فإنه دخل إلى حلب فقتله محمود ولم يمهله.
وكان محمود قد خطر له أن يولي في كل قلعة من قلاعه رجلاً من أهل حلب، وتكون ذريته وأهله تحت يديه، وطلب من الوزير ابن أبي الثريا أن يختار له من يوليه عزاز، فقال: " لا أجد لذلك إلا أبا محمد بن سنان الخفاجي " وكان أبو نصر بن النحاس حاضراً، فصوب الرأي فيه فأحضره محمود وولاه بعد أن امتنع ثم أجاب.
ثم إنه استوحش عليه فاستدعاه محمود عدة دفعات إلى حلب، فتعلل عليه ولم يحضر، وكان أبو نصر بن النحاس صديقه وكان كاتب محمود، فكان يكتب إليه ويحذره.
فأمره في بعض الأيام أن يكتب إليه كتاباً يتلطفه ويأمره بالحضور والكتاب عن أبي نصر، لأنه كان يعلم ما بينهما من المودة، وأمره أن يضمن له عن محمود كل خير، وأمره أن يكتب الكتاب بين يديه، ولم يقع له أن يلغز فيه شيئاً.
قال أبو نصر: " فما قدرت أن أعمل فيه سوى أن شددت النون من إن شاء الله، وتناهيت في لفظ الكتاب، وقلت: لو عرفت ضد ما كتبت لما كنت بصورة من يغشه " وأخذ محمود الكتاب ووقف عليه، وكرر فيه نظره فرآه كافياً شافياً، فأمر بإلصاقه وعنوانه، ودفعه لبعض أصحابه ووصاه أن يقول: " هذا كتاب دفعه إلي أبو نصر بداره " وسار الفراش.
فلما وقف أبو محمد عليه كرر فيه نظره، وبقي متعجباً منه، ويقول: " أخي أبو نصر أعطاك الكتاب بداره أم بالديوان أم بالقلعة قدام الأمير " فقال: " بل بداره " فقال: ما هذا صحيح، فحلف له فلم يصدقه إلى أن قال: " وقعت على المعنى. وكتب جوابه يذكر فيه شكر أبي نصر، وأنه مهتنم بالحضور عند زوال حمى جسمه ثم إنه كاتب أبا نصير خفية، وأعلمه أنه عثرر على المعنى في تشديد " إن ".
وقد ذكرنا أنه جرى له ذلك مع ابن منقذ فيحتمل أن يكون وقع ذلك معهما جميعاً.
ثم إن محموداً أنكر وقال: " ما أعرف قتله إلا منك "، فقال: " كيف " قال: تمضي إليه اليوم ومعك ثلاثون فارساً يقفون لك في بعض الطريق، وتقدم منك إليه