وذلك أن أمير الجيوش استقر بدمشق، بعد قتله صالح بن مرداس بالأقحوانة، فسعى جعفر بن كليد الكتامي والي حمص في إفساد ما بين نصر بن صالح وأنوشتكين الدزبري. وكان عند أنوشتكين استعداد لذلك لقتله صالحاً أباه، فشرع جعفر بن كليد يغري أنوشتكين بنصر، ويحمله على أذاه حتى خرجا إلى الوحشة والمنافرة.
فكاتب الدزبري ملك الروم، واستأذنه في محاربة نصر، واستنقاذ حلب منه، وأن يؤدي ما عليه من الحمل المقرر إليه، فأذن له في ذلك، فاستمال الدزبري جميع العرب من الطائيين والكلبيين وبعض الكلابيين، وسيرهم إلى نصر بن صالح ومعهم رافع بن أبي الليل. ومن قبله من المقاربة، واجتمع إليه علان بن حسان بن الجراح الطائي.
ورحل الدزبري قاصداً حماة، وكان عسكره قد تقدم إلى وادي الملوك، شرقي الرستن، فحين عرف نصر بخروجهم جمع بني عمه وعسكره، ونزل تلا غربي سلمية، والتقوا فكسر نصر وأصحابه، وشرع في جمع من قدر
عليه، واستنجد بشبيب بن وثاب أخي زوجته.
ورحل الدزبري عقيب الوقعة الأولى إلى حماة، فدخلها، ونهبها. ثم رحل منها فالتقوا عند تل فاس، غربي لطمين، فانهزم ثمال بن صالح.
وثبت نصر في خواص أصحابه، وقاتل قتالاً شديداً، فطعن ووقع، واحتز رأسه في نصف شعبان. وقيل: لسبع عشرة ليلة بقيت منه، من سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وحمل رأسه إلى الدزبري فحمله، وتأسف عليه، وأظهر عليه حزناً، وأنفذ من تسلم جثته فصلبت في حماة على الحصن، ثم أمر بإنفاذ ثياب، وطيب، وتكفين الجثة في تابوت، ودفنها في المسجد فنقلها مقلد بن كامل لما ملك حماة إلى قلعة حلب. وقيل: إن الذي قتله ريحان الجويني، وأجهز عليه هفكين التركي المعروف بالسروري. وتأمل المنجمون الوقت والزمان الذي قتل فيه أبوه فكان بين قتله وقتل أبيه أربعة أيام، يريد من السنين الشمسية.