علاها الثرى، وصحائف تقض وأعمال على الله تعرض، تحث الزهاد والعباد والعارفون والأوتاد، والأنبياء الَّذين هدى لَهُم الْعباد، عَن سَبَب الشَّقَاء الَّذِي لَا سَعَادَة بعده، فَلم يَجدوا إِلَّا الْبعد عَن الله، وَسَببه حب الدُّنْيَا، لن تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة:
(هجرت حبايبي من أجل ليلى ... فَمَالِي بعد ليلى من حبيب)
(وماذا أرتجي من حب ليلى ... سيجزي بالقطيعة عَن قريب)
وَقَالُوا مَا أورد النَّفس الْمَوَارِد، وَفتح لَهَا بَاب الحتف إِلَّا الأمل، كلما قومتها مثاقف الْحُدُود فسح لَهَا أَرْكَان الرُّخص، كلما عقدت صَوْم الْعَزِيمَة، أهداها طرف الْغرُور فِي أطباق، حَتَّى إِذا وَلَكِن، وَرُبمَا، فأفرط الْقلب فِي تقليبها حَتَّى أبطر:
(مَا أوبق الْأَنْفس إِلَّا الأمل ... وَهُوَ غرر مَا عَلَيْهِ عمل)
(يفْرض مِنْهُ الشَّخْص وهما مَاله ... حَال وَلَا مَاض وَلَا مُسْتَقْبل)
(مَا فَوق وَجه الأَرْض نفس حَيَّة ... إِلَّا قد انقض عَلَيْهَا الْأَجَل)
(لَو أَنهم من غَيرهَا قد كونُوا ... لامتلاء السهل بهم والجبل)
(مَا تمّ إِلَّا لقم قد هيئت للْمَوْت وَهُوَ الْآكِل المستعجل ... )
(والوعد حق والورى فِي غَفلَة ... قد خدعوا بعاجل وضلل)
(أَيْن الَّذين شيدوا واغترسوا ... ومهدوا وافترشوا وظلل)
(أَيْن ذَوُو الراحات راحت حرَّة ... إِذْ جَنبُوا إِلَى الثرى وانتقل)
(لم تدفع الأحباب عَنْهُم غير أَن ... بكوا على فراقهم وأعول)
(الله فِي نَفسك أولى من لَهُ ... ذخرت نصحا وعتابا يقبل)
(لَا تتركها فِي عمى وحيرة ... عَن هول مَا بَين يَديهَا تغفل)
(حقر لَهَا الفاني وحاول زهدها فِيهِ وشوقها لما يسْتَقْبل ... )