أسحار، وعامر مأذنة ومنار. كَانَ بِبَلَدِهِ رندة حرسها الله مُؤذنًا بجامعها. وموقتا بِأم صوامعها، ومعتبرا مِمَّن كَانَ بهَا من فضلاء السَّدَنَة، وَمِمَّنْ يَشْمَلهُ قَوْله " فَكَأَنَّمَا قرب بدنه " وَكَانَ لَهُ لِسَان مخيف، وَشعر سخيف، توشح بحليته، وَجعله وَسِيلَة كديته.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن بن الجياب

صدر الصُّدُور الجلة، وَعلم أَعْلَام هَذِه الْملَّة، وَشَيخ الْكِتَابَة وبانيها، وهاصر أفنان الْبَدَائِع وجانيها، اعتمدته الرياسة فنأى بهَا على حَبل ذراعه، واستعانت بِهِ السياسة فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه، فتفيأ للعناية ظلا ظليلا، وتعاقبته الدول فَلم تربه بديلا، من ندب على علوه متواضع، وَحبر لثدي المعارف راضع، لَا تمر مذاكرة فِي فن إِلَّا وَله فِيهِ التبريز، وَلَا تعرض جَوَاهِر الْكَلَام على محاكاة الأفهام، إِلَّا وَكَلَامه الإبريز، حَتَّى أصبح الدَّهْر رَاوِي إحسانه، وناطقا بِلِسَانِهِ، وَغرب ذكره وشرق، وَتجَاوز الْبَحْر الْأَخْضَر، والخليج الْأَزْرَق، إِلَى نفس هذبت الْآدَاب شمائلها، وجادت الرياضة خمائلها، ومراقبة لرَبه، وانتشاق لروح الله من مهبه، وَدين لَا يعجم عوده، وَلَا تخلف وَعوده، وَكلما ظَهرت علينا معشر بنيه من شارة تجلى بهَا الْعين أَو إِشَارَة كَمَا سبك اللجين، فَهِيَ إِلَيْهِ منسوبة، وَفِي حَسَنَاته محسوبة، إِنَّمَا هِيَ أنفس راضها بآدابه وأعلقها بأهدابه، وهذب طباعها كَالشَّمْسِ تلقى على النُّجُوم شعاعها، والصور الجميلة تتْرك فِي الْأَجْسَام الصقيلة انطباعها، وماذا عَسى أَن أَقُول فِي إِمَام الْأَئِمَّة، وَنور الدياجى المدلهمة، وَقد أثبت من عُيُون قصائده وأدبه الَّذِي علق الْإِحْسَان فِي مصائده، كل وثيق المبنى، كريم المجنى، جَامع بَين حصافة اللَّفْظ ولطافة الْمَعْنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015