وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الرعيني
قريع فضل ومجادة، وضارب فِي هَذَا الْأَدَب بِسَهْم إجادة، كَانَ أَبوهُ رَحمَه الله خطيب مالقة، وَصدر فضلائها، وواسطة علايها، وَنَشَأ هَذَا الْفَاضِل رَحمَه الله، سالكا فِي العفاف على مسلكه، ومنتقلا فِي دَرَجَات فلكه. تولى الْقَضَاء لأوّل أمره على حَدَاثَة سنه، وَجدّة عمره، ثمَّ دعى للكتابة، فتنقل للحضرة وتحول، وعزم على الْمقَام بهَا وعول، فأجال يراعته وَشهر براعته، وَلما غصه الاغتراب، وباين وَطنه كَمَا باين السَّيْف القراب، شاقه الْأَهْل والأتراب، وَالْمَاء وَالتُّرَاب، وحن إِلَى دوحة الَّذِي بِهِ تأود، وَكَبرت عَلَيْهِ الْخدمَة، وصعب على الْإِنْسَان مالم يعود، فَرغب فِي الِانْصِرَاف إِلَى بَلَده، وَاحْتِمَال أَهله وَولده، وَهُوَ الْيَوْم قَاضِي جهاتها الغربية، ومنفذ أَحْكَامهَا الشَّرْعِيَّة. وَله أدب وَخط وبحر من الْمعرفَة لَيْسَ لَهُ شط. وَقد أثبت من شعره مَا يشيد بِذكرِهِ.
فِي وصف أبي يزِيد خَالِد بن أبي خَالِد
فايز من الإبداع بِكُل مَطْلُوب، ومستهل أسماع وَقُلُوب، وفصيح بأدبه، وَفِي البداوة حسن غير مجلوب، قدح قريحته الوقادة، وراض صَعب الْكَلَام فَأعْطَاهُ المقادة، فتألق بذلك الْأُفق تألق الْبَرْق، وطلع بِتِلْكَ الْجِهَة الشرقية، وَلَا يُنكر النُّور على الشرق، فشرف فِي قومه، وَأصْبح فِيهِ أمسه منافسا ليومه، إِلَى بلاغة تتحلى بهَا صفحات المهارق، وعفاف حَتَّى عَن الخيال الطارق. ورحل فِي هَذَا الْعَهْد الْقَرِيب، وَقد أصبح يحسن ضرايبه عديم الضريب، فاقتحم فرضة، الْمجَاز، إِلَى مثابة الْحجاز، فَقضى وطره من تِلْكَ الْمشَاهد، وتبرك بلقاء من بهَا من عَالم أَو زاهد، وقفل وَقد دون رحلته سَفَره، وزهى بهَا زهو الجفن بفتحه، والخد بخضره، واجتاز بالبلاد الموحدية فدعته إِلَى خدمَة بَابهَا، وقلدته