(وَأَقُول لَو كَانَ الْمُخَاطب غَيْركُمْ ... عِنْد الشدائد تذْهب الأحقاد)
سَيِّدي، أبقاكم الله علم فضل وإنصاف، ومجموع كَمَال أَوْصَاف، كَلَام النيات قصير، وَالله لحسنات الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال بَصِير، وَإِلَيْهِ بعد هَذَا الْحفاظ كُله رجعى منا ومصير، وَلَيْسَ لنا إِلَّا هُوَ مولى ونصير، وَهَذَا الرجل سَيِّدي الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق، جبره الله، بالْأَمْس كُنَّا نقف بِبَابِهِ، ونتمسك بأسبابه، ونتوسل إِلَى الدُّنْيَا بِهِ، فَإِن كُنَّا قد عرفنَا خيرا وَجَبت الْمُشَاركَة، أَو كفافا تعيّنت المتاركة، أَو شرا [اهتبلت غرَّة] الْهوى الْأَنْفس الْمُبَارَكَة، واتصفت بِصفة، من يعْصى فيسمح، وَيسْأل فيمنح، وَيعود على الْقَبِيح بالستر الْجَمِيل، ويحسب يَد التأميل، وَمَعَ هَذَا فَلم ندر إِلَّا خيرا كرم مِنْهُ المورد والمصرف، وَمن عرف حجَّة على من لم يعرف، وَأَنْتُم فِي الْوَقْت سراج علم لَا يخبو سناه، ومجموع تخلق عرفنَا مِنْهُ مَا عَرفْنَاهُ، وَهَذِه هِيَ الشُّهْرَة الَّتِي تغتنم إِذا سفرت، والْمنَّة الَّتِي تجبر عَلَيْهَا دَابَّة النَّفس إِذا نفرت، حَتَّى لَا يجد بعون الله عارضا يعوقها عَن الْخَيْر وَالْأَجْر فِي اسْتِيفَاء كتاب الشَّفَاعَة، وتحري الْمَقَاصِد النفاعة، وتنفيق البضاعة قد ضمنه من وعد بِقِيَام السَّاعَة، وَالْجَزَاء على الطَّاعَة، فَكيف وَالله يرى عَمَلكُمْ وعملي، والمتروك حقير، والوجود إِلَى رَحْمَة من رحمات الله فَقير وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك مَا كتبت إِلَى الشَّيْخ الْخَطِيب أَبى عبد الله بن مَرْزُوق جَوَابا عَن كِتَابه وَقد اسْتَقر خطيب السُّلْطَان بتونس حرسها الله، وأعزه
(وَلما أَن نأت مِنْكُم دياري ... وَحَال الْبعد بَيْنكُم وبيني)
(بعثت لكم سوادا فِي بَيَاض ... لأنظركم بِشَيْء مثل عَيْني)