بالاعتراف، وسمت الهوادي إِلَى الاستشراف، وَأخذ التَّرْتِيب حَقه من المواسط الجهادية والأطراف، وأحكمت التعبية، الَّتِي لَا ترى الْعين فِيهَا خللا، وَلَا يجد الإحسار عِنْدهَا دخلا. وَكَانَ النُّزُول على فَرسَخ من عدوة النَّهر الْأَعْظَم الدُّنْيَا من خَارج الْمَدِينَة، أنْجز الله وعد دمارها، وأعادها إِلَى عهدها فِي الْإِسْلَام وشعارها، ومحا ظلام الْكفْر فِي آفاقها، بِملَّة الْإِسْلَام وأنوارها. وَقد برزت من حاميتها شَوْكَة سابغة الدروع، وافرة الجموع، استجنت من أسوار القنطرة الْعُظْمَى، بحمى لَا يخفر، وَأخذ أعقابها من الرُّمَاة والكماة الْعدَد الأوفر، فبادر إِلَيْهِم، سرعَان خيل الْمُسلمين، فصدقوهم الدفاع والقراع، والمصال والمصاع، وخالطوهم سبرا بِالسُّيُوفِ، ومباكرة بالحتوف، فتركوهم حصيدا، واذاقوهم وبالا شَدِيدا، وجدلوا مِنْهُم جملَة وافرة، وَأمة كَافِرَة، وملكوا بعض تِلْكَ الأسوار، فارتفعت بهَا راياتهم الخافقة، وَظَهَرت عَلَيْهَا عزماتهم الصادقة، واقتحم الْمُسلمُونَ الْوَادي سبحا فِي غمره، واستهانة فِي سَبِيل الله بأَمْره، وخالطوا حامية الْعَدو فِي ضفته فاقتلعوها، وتعلقوا بأوائل الأسوار ففرعوها، فَلَو كُنَّا فِي ذَلِك الْيَوْم على عزم من الْقِتَال، وتيسير للالآت وترتيب للرِّجَال، لدخل الْبَلَد، وَملك الْأَهْل وَالْولد. لَكِن أَجَارَ الْكفْر من اللَّيْل كَافِر، وَقد هلك مِنْهُم عدد وافر، وَرجع الْمُسلمُونَ إِلَى محلاتهم، وَنصر الله سَافر، والعزم ظافر. وَمن الْغَد، خضنا الْبَحْر الَّذِي جعلنَا الْعَزْم فِيهِ سفيناً والتوكل على الله للبلاغ ضمينا، ونزلنا من ضفته، القصوى، منزلا عَزِيزًا مكينا، بِحَيْثُ تجَاوز سورها طُنب القباب، وَنصِيب دورها، من بَين المخيمات، بوارق النشاب، فبرزت حاميتها على متعددات الْأَبْوَاب، مُقِيمَة أسواق الطعان والضراب، فآبت بصفقة الخسران والتباب. وَلما شرعنا فِي قتالها، ورتبنا أشتات النكابات لنكالها، وَإِن كُنَّا لم نبن على