ثَبت من ذَلِك فِي صدر الْكتاب [المتعدد الْأَسْفَار] الْمُسَمّى ببستان الدول، الَّذِي أذهبت الْحَادِثَة عينه، وشعثت الكاينة زينه: أما بعد حمد الله، الَّذِي قدر تَدْبِير الْوُجُود، بِمُقْتَضى الْغِنَا الْمَحْض والجود، على حسب مَشِيئَته وَمرَاده، وفاضل بَين ضروبه المتشابهة الأشكال، فِي إقطاع حصص الْكَمَال، كل بِحَسب قبُوله واستعداده، فبدت مزية ناطقه على صامته، وَظهر فضل حيه على جماده، وَأتم على نوعٍ الْإِنْسَان جزيل الْإِحْسَان، لما أَهله بِبَيَان اللِّسَان، لقبُول إلهامه وإمداده، وَخَصه بمزبة الإنافة، لما نصب لَهُ كرْسِي الْخلَافَة بَين عباده، وَأحكم سياسة وَضعه عِنْد اختراع صنعه، فَجعل فكره وَزِير عقله، وَلسَانه ترجمان فُؤَاده، وجبله على الافتقار إِلَى أَبنَاء جنسه، وَالْعجز عَن تنَاول مُؤنَة نَفسه، وَتَحْصِيل مَصَالِحه مَعَ استبداده، فَكَانَ مُضْطَرّا إِلَى التآلف والاجتماع، متمدنا بِحَسب الطباع، لَا يقوم أمره مَعَ انْفِرَاده، ثمَّ ضم نشره براع يحوط سوائمه أَن تتناطح وتتردى، ويحفظ عوايده أَن تتجاوز وتتعدى، ويحمله على مصَالح دُنْيَاهُ ومعاده. فسبحان الْحَكِيم الْعَلِيم، مُقَدّر الشَّيْء قبل إيجاده، الَّذِي لَا معقب لحكمه، وَلَا مُقَدّر لعلمه، وَلَا مفلت عَن معاده.
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي فَضله على الْأَنْبِيَاء برفعة شَأْنه، وعلو مَكَانَهُ، على تَأَخّر زَمَانه، وَقرب ميلاده، وَأثْنى على خلقه وَصِفَاته. وَأقسم بِبَلَدِهِ وحياته، إعلاما بشرف ذَاته وكرم بِلَاده، ووقف على