سَبِيلا، تحمد للأبناء وتشكر، حَتَّى يعلم الله أننا [أبلينا عذرا] وقضينا نذرا، ورعينا حَقًا، وسلكنا من الْبر طرقا. وَقد كُنَّا على حَيَاة مَوْلَانَا الْوَالِد، نحمل أَحَادِيث مجدكم بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة، ونعمل حكم التَّوَاتُر بِشُرُوطِهِ التَّامَّة، فَالْآن صحت لنا المناولة وَالسَّمَاع، وصدقت فِي الإفادة الأطماع، وَوَقع على الْقَضِيَّة الْإِجْمَاع. وكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب لنودي فروض الشُّكْر الَّذِي وَجب، ونثني بِالْفَضْلِ الَّذِي اجتلينا مِنْهُ الْعجب. وَمَا عَسى أَن يبلغ الثنا وَإِن اتَّسع نطاقه، وجاشت آفاقه، وَكَانَ إِلَى دَاعِي [الإجادة اشتياقه] فِي تِلْكَ الشيم الَّتِي راهنت العلما فبذتها، وتخطت مراقي الرتب فاطرحتها، إِلَى مَا فَوْقهَا ونبذتها، والهمة الَّتِي سمت نَحْو الحظوظ الْبَاقِيَة وطمحت، واحتقرت فِي الله مَا بِهِ سمحت، وهامت بأنواره الَّتِي التمحت لتهنها السَّعَادَة الْكُبْرَى، والعناية الَّتِي تجمع لَهَا بَين عز الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى. وَهَذِه الجزيرة الأندلسية لكم ولسلفكم محراب مُنَاجَاة، وسوق بضايع غير مزجاة، وميدان جِهَاد، وخلوة ذكر واجتهاد، فَلَا تعدم مِنْكُم ممتعضا لحرمتها، رَاعيا لأذمتها، مصرخا عِنْد الشدائد لأمتها، وَلَو سُئِلت على كَثْرَة من عرفت لأقرت بفضلكم وَاعْتَرَفت، فأنكم شفيتم مِنْهَا دَاء، وسبقتموها بالجيل ابْتِدَاء، وَلم تشغلكم الشواغل عَن تداركها، حَتَّى فرج سعدكم شدائدها، وَكَانَ إمدادكم طبيبها، وإنجادكم عائدها، فَكيف بعد تمهيد ملككم الأمل. وَإِذا كرم الْمَاضِي، فَأولى أَن يكرم الْمُسْتَقْبل. نسل الله أَن يمتعكم وإيانا ببقائكم مَادَّة سعودها، وحياة وجودهَا، وَيبقى بمناصحة