وانكمن سلطان المعرفة وحلاوتها ولذتها في القلب، وسلطان العقل وزينته وبهجته في الدماغ، تحير الذهن عن التدبير، وخمد نور العلم في الصدر، فظهرت المعصية على الجوارح؛ وإذا غلب سلطان المعرفة ولذتها وحلاوتها، وسلطان العقل وزينته وبهجته، احتد الذهن، واستنار العلم، وانتشر وأشرق، وقوى القلب، فقام منتصباً متوجهاً بعين فؤاده إلى الله تعالى، وجاء المدد والعطاء، وظهرت العزيمة على ترك المعصية العارضة فإذا ظهرت العزيمة وجد القلب قوة على زجر النفس، ورفض ما عزمت عليه، فانقمعت النفس وذابت، وسكن غليان الشهوة، وماتت اللذة، وسكنت العروق، ودست صورة تلك المعصية عن الصدر، وتخلص العبد، فأمر بالمجاهدة إذا عرض ذكر شيء على الصدر، وقد حرم الله عز وجل ذلك الشيء عليه، وذلك أنه لما عرض الذكر اهتاجت النفس لما هاجها الهوى، وأورد العدو زينة التي وضعت بين يديه، وجعل له السبيل إلى صدره ليزين، وتلك الزينة هي الفرح الذي وصفنا أنه بباب النار، فأصله الفرح، وحشوه الزينة، وكلاهما من النار خلقا، سميت شهوة لإهتشاش النفس، وهو قول رسول الله صلى الله علية
وسلم: (حفت النار بالشهوات)، ولذلك قال عمر رضي الله عنه في خطبته: (إن العدو مع الدنيا، وارصاده مع الهوى، ومكره في الشهوات). فإنما يصير العدو إلى العباد مع أفراح الدنيا وزينتها، ويرصد الهوى الذي يهيج من الآدمي، ويمكر به إذا اشتهت النفس؛