نور التوحيد ونور العقل؛ فلما أشرق في صدره، واستقر الفؤاد وهو القلب إلى ذلك النور، فعرف ربه عز وجل بذلك، فذلك قوله عز وجل: (أو من كان ميتاً فأحييناه)، أي بنور الحياة، ثم قال تعالى: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس)، أي نور التوحيد يمشي من ذلك النور في الناس، ثم
أوله قلبه بذلك النور إليه، حتى اطمأنت النفس وسكنت إلى أنه وحده لا إله غيره، فعندها نطق اللسان عن طمأنينة النفس وموافقتها للقلب بلا إله إلا الله، وذلك قوله عز وجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) وهو قوله عز وجل: (يا أيتها النفس المطمئنة)، فلما اطمأنت النفس حين رأت تلك الزينة التي زين العقل بين عيني الفؤاد توحيد الرب عز وجل، وجدت حلاوة الله تعالى، التي وردت على القلب مع نور التوحيد، فلما رأت تلك الزينة وجدت حلاوة الحب الذي في نور التوحيد، فعندها اطمأنت وسكنت إلى توحيده، فشهدت بلا إله إلا الله، وذلك قوله عز وجل: (حبب إليكم الإيمان وزينة في قلوبكم). فلما نالت تلك النفس الزينة كرهت الكفر والفسوق والعصيان، فالمؤمن إذا أذنب فإنما يعصى بالشهوة والنهمة وهو كاره للفسوق والعصيان، ومع الكراهية يفسق ويعصي بغفلة، ولا يقصد الفسق والعصيان كما قصد إبليس، فتلك الكراهية موجودة فيه، والشهوة غالبة عليه، والكراهية من أجل التوحيد الذي فيه، إلا أن القلب مقهور بما فيه، والعقل منكمن، والصدر ممتلئ من دخان تلك الشهوة، والنفس بما أوردت قاهرة للقلب، لأن العقل قد غاب، والمعرفة قد انفردت، والذهن قد تبدد، والحفظ مع العقل منكمن في الدماغ، والنفس قد قامت على ذنبها، بما وجدت من القوة في تلك الشهوة، والعدو يزين ويرجى ويمني المغفرة، ويدل على التوبة، حتى يجرئه قلباً ويشجعه.