رياض النفوس (صفحة 91)

إفريقية إلى برقة، فأخبروه بخبرهم، فأمر عسكره أن يمضي على الطريق، وعدل هو إلى الساحل في خيل يسيرة من فرسان أصحابه، وطمع أن يدرك العدو فيستنقذ منه أسارى المسلمين، فلما وصل إلى الساحل أشرف على الروم، فإذا هم خلق عظيم، واستغاث ذراري المسلمين وصاحوا، والروم يدخلون بهم في المراكب وعسكر الروم [بوفرة] في البر، فنادى زهير في أصحابه: «انزلوا رحمكم الله! » فنزل المسلمون، وبرز الروم لقتالهم، فاقتتلوا حتى عانق بعضهم بعضا، وتكاثر عليهم الروم فاستشهد زهير وكل من كان معه من المسلمين رضي الله عنهم، ولم يخلص منهم سوى رجل واحد، فأدخل الروم خيلهم وسلاحهم والسبي الذي كان معهم إلى المراكب. فلما بلغ عبد الملك والمسلمين الخبر اشتد عليهم ذلك، وكانت المصيبة بزهير وأصحابه مثل المصيبة بعقبة بن نافع وأصحابه رضي الله تعالى عن جميعهم.

وسأل أشراف المسلمين عبد الملك أن ينظر إلى أهل إفريقية ويؤمنهم من عدوهم ويبعث الجيوش إليهم، فقال عبد الملك: «ما أعلم أحدا أكفأ بإفريقية من حسان ابن النعمان الغساني»، فبعثه أميرا سنة تسع وستين في ستة آلاف، وهو أول من دخل إفريقية من أهل الشام في زمن بني أمية، فسار حسان إلى إفريقية، فسأل عن أعظم من فيها من الملوك، فقالوا: «صاحب قرطاجنة» فرحل إليه [حسان]، وفي بلده من الروم ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهي على شاطئ البحر تسمى ترشيش [وهي من مدينة القيروان على مائة ميل] فنزل عليها، وضيق عليهم، وتواقف القوم واقتتلوا، فقتل رجالهم وفرسانهم، واجتمع رأى الروم على العبور إلى جزائر البحر، وكانت لهم سفن، فهربوا إلى «صقلية» وإلى الأندلس. فدخلها «حسان» بالسيف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015