رياض النفوس (صفحة 90)

كبارهم وأشرافهم وشاورهم وقال لهم: / «أرى أن ننزل بممس لئلا يركبنا من بالقيروان إذا التحم القتال فنهلك، فيكون عسكرنا بممس لأن ماءها كثير، فإن هزمناهم دخلنا معهم طرابلس وقطعنا آثارهم، وإن هزمونا كان الجبل منا قريبا فتحصنا به» فأجابوه إلى ذلك، فنزل ممس. وانتظره زهير أن يخرج إليه من القيروان، فلما رآه نزل ممس رحل زهير إليه ونزل بالقيروان وأقام بها ثلاثة أيام حتى استراح وأراح، وأراح أصحابه خيلهم، وزحف إلى كسيلة يوم الأربعاء صباحا.

فأشرف على عسكر [كسيلة] في آخر النهار، فنزل، وبات الناس على مصافهم، فلما أصبح صلّى زهير غلسا [ثم زحف إليه بمن معه] فالتقى القومان، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر البلاء في الفريقين، فضرب الله في وجه كسيلة فانهزم هو وأصحابه، وقتلوا قتلا [ذريعا] وقتل كسيلة بممس وتمادت العرب في طلبهم حتى سقوا خيلهم من «ملويّة»، وادي طنجة.

وفتح «شقّبنارية» وقلاعا أخر، ورجع وقد فزع منه جميع الروم والبربر.

ثم إن زهيرا رأى بإفريقية رفاهة العيش وملكا عظيما فأبى من المقام، وقال:

«إنما قدمت للجهاد، ولم أقدم لحب الدنيا»، فأراده رؤساء أصحابه على المقام فأبى، ورجع إلى المشرق، ونزل ببرقة فكانت له بها وقائع كبيرة.

ولما بلغ الروم أن زهيرا خرج من برقة أمكنهم ما يريدون فخرجوا إليها في مراكب كثيرة وقوة عظيمة، فأغاروا عليها، فسبوا وقتلوا، فوافق ذلك قدوم زهير من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015