رياض النفوس (صفحة 624)

ثم سار الرجل أمامي وأنا أتبع أثره وكان برد شديد وعلي أطمار رثة فأخذنا مطر فنظرت إليه وقد عوذ نفسه وأشار بعصاه يمينا وشمالا وأمامه وخلفه فكان المطر يقع حوله وهو معافى منه لا تصل إليه قطرة واحدة. قال: ونالني من البرد وأذى المطر ما لا أصفه. قال: فما شعر إلاّ بتقعقع أسناني من شدّة البرد فالتفت إليّ وقال: هاهنا أنت؟ / قلت نعم. قال ادن مني فدنوت منه، فنظر إلى بللي وشدّة قرّي، فوضع يده على رأسي وأمرها على ظهري، ثم قال:

اللهم دفّئ جسده وجفّف ثوبه، فجف ثوبي، (قال): ثم عوّذني وأشار بالعصا حولي كما فعل على نفسه، فكنا نمشي والمطر يقع على كل جانب من جوانبنا ولا تصل إلينا منه قطرة فما فوقها إلى أن كفّ المطر، ثم صحبته بعد ذلك يومين حتى انتهينا إلى موضع من الأرض فقال: سر في ودائع الله، فهذا العمران قد قرب منّا، قال: وكنا نعرف قرب العمران بكثرة الوحش (والصيد) وذلك أن المفازة والقفار لا يرى فيها وحش البتة، فقلت له: إني أريد صحبتك؟ فقال لي: لا تقدر على ذلك ومن تحلّى بغير ما هو فيه استحق من الله عزّ وجلّ المقت عليه ولكنّي أرجو لك خيرا إن شاء الله تعالى. فقلت له: يا سيدي أحب شيئا أذكرك به، فقال لي: أمن الدنيا تريد؟ فقلت: لا، قال: ما معي غير عصاي هذه فخذها بأمانة الله، فقد جعل الله تعالى فيها خيرا لي وللذي أعطانيها وللذي أعطاه إيّاها، نحن ثلاثة قد جعل الله تعالى لنا فيها خيرا كثيرا / فاحتفظ بها، فأخذتها منه وهي عندي من ذلك الوقت، ثم عطف واصل على الذي كان أعطاه العصا فقال له: وأنا رجوت الله تعالى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015