رياض النفوس (صفحة 623)

الفلوات إذ بصرت برجل جالس على شفير بئر [و] قد ركب طوق البئر وإحدى رجليه خارج البئر والأخرى يلعب بها في مائه فقصدت نحوه وقد أضناني العطش فوصلت إلى البئر من ناحية ظهر الرّجل، فنظرت فإذا ماؤه قد عاد في أسفله وكانت معي ركوة فيها خيط فألقيتها في البئر فلم أدرك الماء فلم أزل أحل الخيط شيئا بعد شيء حتى فنى الخيط من يدي ولم أصل إلى الماء.

قال: وسمع الرجل حسّي من خلفه فالتفت إليّ ثم سلّم بعضنا على / بعض وقال لي: ما حاجتك؟ قلت: الماء، قال: اطو حبلك، فطويته ثم قال [لي] هلم ركوتك، فأسلمتها إليه، فمدّ يده في البئر فأخرجها مملوءة ماء، فناولنيها ثم قال [لي] اشرب، فشربت حتى رويت ثم قال لي: هل لك في طعام؟ قلت: نعم، فقال: امض إلى خلف الرابية - يعني كدية أشار إليها - فكل ما تجد هناك ولا تدّخر منه شيئا، فمضيت، فإذا بتمر برني وبرازق تفور حرارة ما كنت أقدر على أكلها من شدة حرارتها، فسميت الله عزّ وجلّ وأكلت حتى أخذت حاجتي ثم قمت وفي ركوتي فضل ماء فأخذها من يدي وأراق ما (كان) فيها من الماء. فقلت له: لعلنا نحتاج إليه؟ فقال: أطعمك وسقاك وأنت تدّخر عليه إذا احتجنا إلى شيء أتانا الله به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015