رياض النفوس (صفحة 562)

في جماعة من بلدان شتى، قال: حدثني أبو بكر بن سعدون، رحمة الله عليه - وكان من أهل الزهد والعبادة والرواية - قال: حججت وأدركت بمكة أبا هارون الأندلسي وأبا عقال بن غلبون، رحمهما الله تعالى، وكنت أجلس إلى حلقتهما. فلما قضينا الحج جلست إليهما على سبيل العادة، وقد أخذ الناس في أهبة الرحيل، فقال لي أبو هارون الأندلسي: «يا أبا بكر، أنت مقيم أو راجع إلى المغرب؟ » فقلت له:

«بل مقيم» فقال لي: «ألك بالمغرب أحد؟ » فقلت له: «بلى، لي والدة» فقال لي:

«وكيف ينبغي لك أن تتخلف عنها، ولعلها متشوقة إليك؟ » قال، فقلت له: «لي عذر يوجب إقامتي» فقال: «وما هو؟ » فقلت: «قلة النفقة».قال: فمد أبو هارون يده إلى خرقة مصرورة فدفعها إليّ وقال لي: «أنفق منها حتى تصل إن شاء الله تعالى»، قال: فنهضت وخرجت مع الناس راجعا إلى المغرب، فما كنت أصل إلى مرحلة فأحتاج فيها إلى شيء إلا وجدته في تلك الصرة، حتى وصلت إلى المغرب».

قال الشيخ أبو الحسن: وكان في آخر مجلس المغربي شيخان من أهل القيروان، فكأنهما أنكرا / على الشيخ حكايته، فارتفعت الأصوات بالنكير عليهما، فسمع الشيخ جلبة الناس، فرد وجهه إليهم فقال: «ما لكم قد أكثرتم الكلام؟ » فقال الناس: «أصلحك الله، إن هذين الشيخين قد أنكرا حكايتك هذه التي حكيت»، فتغير وجه الشيخ واحمر وقال: «الله يعلم أني ما قلت إلا ما أخبرني به أبو بكر وما كذبت عليه، ولكن ما أرى هذين الشيخين يموتان على الإسلام».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015