رياض النفوس (صفحة 560)

وذكر عنه أنه قيل له في علته التي مات فيها: «لو تعالجت؟ » فرفع رأسه إلى السماء وقال: «إلهي وسيدي، قد أعطيتك من نفسي عهدا أني لا أخالفك أبدا»، ثم حول وجهه إلى الحائط وقال: «آه، وا شوقاه إلى حبيب إذا غضب عفا وإذا رضي شفى».

[قال أبو عقال]: «فلما احتضر وضع رأسه في حجري ودموعه تنحدر وشفتاه تتحركان، فنظر إليّ وأنا أبكي فقال لي: «يا أبا عقال، لم تمر أعمال القوم باطلا.

نزل كل واحد على ما عمل»، ثم فاضت نفسه».

وكان يسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل قبره بالبقيع.

قال عمران بن حفصون: كنت في حلقة حماس بن مروان القاضي حتى دخل عليه رجل عليه مرقّعة صوف، فقام إليه وأجلسه موضعه وحوّل وجهه إليه. ثم جلس معه ساعة وخرج، فقام حماس معه فقال له: «يا سيدي لا تفعل» فقال: «هذا فرض عليّ».فقال له الطلبة وابنه سالم: «يا سيدنا، من أين هذا الرجل؟ » فقال لهم: «هذا أبو هارون الأندلسي، وهو مجاب الدعوة، وهو من الأبدال ترجى بركة دعائه. يا بني الحقه وخذ بحظك منه».

فلحقه سالم فدفع إليه خمسة دنانير ودراعة وجبة صوف ومنديلا وسراويل. ثم أعلم أباه بذلك، فلما كان من الغد دخل إليه فقال له: «يا سيدي، رأيته كما كان أول مرة في مرقّعته الصوف وفي العباءة التي كان فيها»، فقال له حماس: «يا بني، ذاك من الأبدال يتأسى «بأهل الصّفة»، لا تبيت معه بيضاء ولا حمراء ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015