عليها أعمالها على طريق الحزن والخوف. وكان المتعبدون والصالحون إذا سمعوها استراحوا إليها بقلوبهم وانشرحت نفوسهم وانصرفوا منه وهم محزونون نادمون.
ولقد ذكر عن [أبي] محمد بن فطيس المتعبد أنه قال: «كان الذين يحضرون «مسجد السبت» إذا خرجوا منه يرى عليهم أثره إلى السبت الآخر».
حدّث أبو الحسن عليّ بن محمد الأنصاري عن أبيه قال: «حضرت مسجد السبت القديم وكان مبنيا بالطوب، فقال القوالون أشعارا في الزهد، فبكى الناس بكاء عظيما حتى امتلأ المسجد بالبكاء وارتفعت أصواتهم، فقال رجل جالس بجواري: «لقد طاب المسجد اليوم» فقال له رجل كبير السن شيخ: «يا هذا، حال المسجد عما كنا عهدناه قبل هذا الوقت. أعرف أني حضرته يوما فقام ابن السامة فقرأ {(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ، اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)} فقام شاب من الركن يبكي ويصيح: «الأمان بالله! »؛ فرجع القارئ في الآية من أولها، فقال الشاب: «الأمان بالله! » فرجع القارئ مرة ثالثة فصاح الشاب: «الأمان بالله! » وخرّ ميتا، رحمة الله تعالى عليه.
فهكذا كانت صفة المسجد في الزمان الذي كان يحضر فيه هؤلاء الأفاضل. وأما في هذا الوقت فهو على خلاف ذلك، فلا ينبغي حضوره ولا السعي إليه، ولا يحتج في حضوره بمن حضره ممن قدمنا ذكره لأنهم لو أدركوا هذا الزمان لتركوا حضوره».