رجوعه إلى الموضع الذي كان فيه، فما قدرت على ذلك إلا بعد ثلاثين سنة.
قال: وخرج من داره يوم الجمعة لصلاة الجمعة، فإذا شاب جميل له هيئة حسنة ولباس جميل وقد اتبع صبية يمشي خلفها، فلما رآه عبد الجبار شقّ عليه ذلك، فاتكأ برجله على رجله الأخرى فقطع شسع نعله، فصاح: «يا شاب، يا شاب! » فالتفت الشاب إليه، فمشى إليه عبد الجبار، فوقف الشاب فقال له عبد الجبار: «قد كبرت سنّي وضعف بصري، وقد انقطع شسع نعلي، فأصلحه لي» فأصلحه له. ثم نظر عبد الجبار إلى الصبية وقد أمسكت في مشيتها، فأخذ النعل من الشاب وأدخله في رجله، وتمادى الشاب في أثر الصبية، فاتكأ عبد الجبار على نعله ثانية فقطعه، ثم صاح: «يا شاب، يا شاب! » وكانت لعبد الجبار هيبة عظيمة، فعاد إليه الشاب فقال له: «أصلح النعل يا مبارك، ما أصلحته إصلاحا جيدا، أظنك أصلحته وأنت مستعجل» فأخذه الشاب وأصلحه، فعطف عليه عبد الجبار وقال: «يا شاب، أنا قطعت النعل في المرة [الأولى] والثانية، وإنما فعلت ذلك إشفاقا عليك ورحمة لك، وخفت والله يا بنيّ على هذا الشباب الصبيح من لفح النار».وبكى عبد الجبار وبكى الشاب. ثم قال له: «جزاك الله خيرا، فو الله لا عدت إلى ما كان منّي أبدا»، ثم صحب عبد الجبار إلى الجامع وتاب وحسنت توبته وإنابته. وكان من فضلاء أهل وقته، ونفعه الله عزّ وجل بنية عبد الجبار وبتلطفه وترفقه.
حدث الشيخ أبو الحسن القابسي، رحمه الله تعالى، قال: راح عبد الجبار