ومثل هذه الحكاية، قال: أقبل غوث بن سليمان القاضي، وهو يريد المسجد، فلما كان عند السراجين لقيته امرأة في محفتها، كما قدمت من الريف، فشكت مظلمة فنزل في حانوت من حوانيت السراجين، كما هو ولم يبلغ المسجد، وكتب لها بحاجتها، ثم ركب دابته إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت والله أمك حين سمتك «غوثا»، فأنت والله غوث عند اسمك.
ومن مناقبه: أنه كان، [إذ] كان قاضيا بالقيروان، [ساكنا في الدرب المعروف بالسنجاري]، وأنه كان إذا أراد أن يتوجه إلى الجامع ساق حماره بين يديه، وإذا انصرف من الجامع ركبه منصرفا، فربما لقيه في مسيره إلى الجامع بعض الناس وهو يخوض الطين إلى أنصاف ساقيه، فيقال له: «لو ركبت الحمار! » فيقول: «لا أفعل، هكذا حال من يسير إلى ربه عزّ وجلّ، يسير ذليلا متواضعا».
وربما وجد في الجامع وحده فيقال له: «أتقعد وحدك؟ » فيقول: «إن الناس قد ذهبوا إلى جنازة»، فيقال له: «لو أنك انصرفت إلى دارك! » فيقول: «ومن لي بالملهوف المضطر إذا قصدني فلم يجدني؟ ».
قال أحمد: وكان ربما تبين له الحكم بالليل، فيأتي دار من ثبت الحق له، فيقرع عليه بابه فيستخرجه ويأمره بأن يحضر له صالحي جيرانه ليشهدهم له، فيقول له: «لو تركت هذا إلى الغد! » فيقول القاضي: «فلو مت أنا في ليلتي هذه، أما أكون أنا الذي أضعت عليك حقك؟ ».
ولم يزل قاضيا حتى ثار عاصم بن جميل على حبيب [بن عبد الرحمن،