رياض النفوس (صفحة 1058)

وكان - رحمه الله تعالى - من أرق الناس قلبا، وأغزرهم دمعة، سليم القلب من غائلة كلّ مسلم، يرى أن أكثر الناس عيوبا وذنوبا أفضل منه عند الله تبارك وتعالى.

ولقد ذكر عنه أنه خرج من بيته ليلة من الليالي إلى المسجد، فنظر إلى شاب من جيرانه يقبّل حدثا، فأوهمهما أنه لم يرهما وتمادى إلى المسجد فصلّى بالناس وعاد إلى بيته، فضاق القصر بأقطاره على الفتى، وطالت عليه ليلته، وجزع جزعا شديدا. وتوهّم أن أبا الفضل يحكي عنه للمرابطين ما رآه، وودّ أنه لم يخلق حياء وحشمة، فهرب إلى سوسة وترك جميع ما في بيته، فأقام بها مدّة يتوقع ما يكون، فأتى قوم من المنستير، فسأل رجلا منهم: هل أحدث الغدامسي من بعدي حدثا أو ذكر عني شيئا؟ قال: ما سمعت ولا رأيت، ثم سأل [غيره] فلم يسمع شيئا يسوؤه، وقال له / المسئول: لقد أوحشتنا من غيبتك، وافتقدنا قراءتك وأذانك، فلم يصدّقهم فيما بينه وبين نفسه وقال: أحتال في الرجوع إلى بيتي، وآخذ ما كان لي (فيه)، وأنتقل إلى حصن من الحصون، فدخل الحصن مساء، فأخبر بدخوله الشيخ أبو الفضل، فقال: عليّ به، فأتاه جماعة من المرابطين وقالوا له. الشيخ يدعوك، فقام إليه وهو لا يشك أنه أخبرهم بقصته مع الحدث، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015