وهو نحو ما رواه ابن الجهم وابن عبد الحكم، والمعتمد عليه من المذهب ما ذكرناه، وإنما اشترطنا الإسلام لأن عرض الكافر منهوك لا حرمة له شرعًا، وإن كان الفاسق المسلم لم يحد قاذفه وهو أعظم حرمة من الكافر، فالكافر أولى، وإنما شرطنا الحرية (بناء) على ما ذهب إليه مالك وجمهور أهل العلم خلافًا لمن أوجب الحد على قاذف العبد. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، لأن حرمته ناقصة بالرق الذي هو من آثار الكفر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من قذف مملوكه وهو بريء جلده يوم القيامة) ولم يتعرض -صلى الله عليه وسلم- لوجوب الحد عليه في الدنيا. وهاهنا فروع: إذا قذف كبيرًا بما كان منه في حال صغره أو رقه هل يحد اعتبارًا بالحال أم لا؟ اعتبارًا بزمان الكفر والصغر والرق فيه ثلاثة أقوال في المذهب، المشهور أنه يحد سواء أثبتت ما قاله أم لا وهو قول ابن القاسم، والثاني: أنه لا يحد إلا أن يقول ذلك في مشاتمه فيحد إلا أن يثبت ذلك بالبينة. وقال عبد الملك: إن أثبت ذلك لم يحد، وإلا فعليه الحد، وقول ابن القاسم: أن عليه الحد، وإن ثبت ذلك ضعيف في القياس (لأن إثبات ذلك بالشهادة يرفع عنه حكم القذف).
الفرع الثاني: يجلد القاذف ثمانين إن كان المقذوف حرًا مسلمًا، كان القاذف مسلمًا، أو كافرًا كتابيًا إذ المقصود انتهاك حرمة المسلم، واختلفت الرواية عن مالك في الحربي إذا قذف مسلمًا فقال ابن القاسم: يحد، وقال أشهب: لا حد (عليه)، والأول أصوب، لأن المقصود حفظ حرمة المسلم.