الْمُزَنِيُّ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، إِذَا كَانَ أَهْلُ السَّاحِلِ مُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا، ثُقِّلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ إِلَى الْقَرَارِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فَيَدْفِنُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: يُتَيَقَّنُ تَرْكُ الدَّفْنِ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْمُزَنِيَّ ذَكَرَهَا فِي (جَامِعِهِ) الْكَبِيرِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: إِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ فِي (جَامِعِهِ) كَمَا قَالَهَا الشَّافِعِيُّ فِي (الْأُمِّ) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَ لَوْحَتَيْنِ لِيَقْذِفَهُ السَّاحِلُ، بَلْ ثَقَّلُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ، رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُمْ، كَذَا رَأَيْتُهُ فِي (الْأُمِّ) . وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَأْثَمُوا، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَإِذَا أَلْقَوْهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ، أَوْ فِي الْبَحْرِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ فِي (شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ بَابِ الدَّفْنِ بَقَايَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْمَعَ الْأَقَارِبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمَقْبَرَةِ. وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ لِيَحْفِرَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَحْرُمُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ مَيِّتٌ حَتَّى يَبْلَى وَلَا يَبْقَى عَظْمٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَالُوا: فَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ عِظَامَهُ، أَعَادَ الْقَبْرَ وَلَمْ يُتِمَّ الْحَفْرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ فَرَغَ مِنَ الْقَبْرِ فَظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْعِظَامِ، جَازَ أَنْ تُجْعَلَ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ وَيُدْفَنَ الثَّانِي مَعَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَلَوْ مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ دَفْعَةً، وَأَمْكَنَهُ دَفْنُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قَبْرٍ، بَدَأَ بِمَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فِي التَّغَيُّرِ. فَإِنْ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرٌ، بَدَأَ بِأَبِيهِ، ثُمَّ أُمِّهِ، ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ، فَأَكْبَرُهُمَا. فَإِنْ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ، وَلَا كَافِرٌ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ. قَالُوا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ. قَالُوا: لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ، أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي (الْأُمِّ) وَالْأَصْحَابُ: وَلَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا.