وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ (الْحَاوِي) ، وَالشَّيْخُ نَصْرٌ، وَغَيْرُهُمُ، الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَبِهِ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) : (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ، وَالطُّلُوعِ، وَالْغُرُوبِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، ثُمَّ صَاحَبُ (التَّتِمَّةِ) ، بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَقَصْدِهِ. وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ. وَأَمَّا نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ قَبْلَ دَفْنِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ (الْحَاوِي) قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أُحِبُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إِلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا. وَقَالَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) ، وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ: يُكْرَهُ نَقْلُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَأَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : يَحْرُمُ نَقْلُهُ. قَالَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : وَلَوْ أَوْصَى بِهِ، لَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ، وَهَذَا أَصَحُّ، فَإِنَّ فِي نَقْلِهِ تَأْخِيرَ دَفْنِهِ وَتَعْرِيضَهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ. وَلَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ فِي جَوْفِهَا جَنِينٌ حَيٌّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ كَانَ يُرْجَى حَيَاتُهُ، شُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ ثُمَّ دُفِنَتْ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الصَّحِيحُ: لَا يُشَقُّ جَوْفُهَا، بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يَمُوتَ الْجَنِينُ ثُمَّ تُدْفَنُ. وَالثَّانِي: يُشَقُّ. وَالثَّالِثُ: يُوضَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيَمُوتَ ثُمَّ تُدْفَنُ، وَهَذَا غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ بُطْلَانَهُ. قَالَ صَاحِبُ (الْحَاوِي) : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ أَنَّ رُفْقَةً فِي سَفَرٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَلَمْ يَدْفِنُوهُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ يَخْتَرِقُهُ الْمَارَّةُ، أَوْ بِقُرْبِ قَرْيَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَسَاءُوا، وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَفْنُهُ. وَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ، أَوْ مَوْضِعٍ لَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ، أَثِمُوا وَعَلَى السُّلْطَانِ مُعَاقَبَتُهُمْ، إِلَّا أَنْ يَخَافُوا - لَوِ اشْتَغَلُوا بِهِ - عَدُوًّا، فَيُخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ مَا أَمْكَنَهُمْ. فَإِنْ تَرَكُوهُ، لَمْ يَأْثَمُوا، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَنَّ مُجْتَازِينَ مَرُّوا بِمَيِّتٍ فِي صَحْرَاءَ، لَزِمَهُمُ الْقِيَامُ بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً. فَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا. ثُمَّ إِنْ كَانَ بِثِيَابِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ، دَفَنُوهُ.