قدم من الشرق وهو متأهل فِي عدة فنون، فصاهر السراج الهندي وناب عنه، وولي مشيخة سعيد السعداء فثار عَلَيْهِ أهلها وكتبوا عَلَى باب داره.
يَا خانقاه شيخنا ... عن اللواط لَمْ يتب
لا تعتبيه واصبري ... عَلَى أذى الجار الجنب
فاتفق أن الأشرف مرض فعالجه فعوفي، وَكَانَ حسن المعرفة بالطب، فولاه قضاء الحنفية لكثرة تشكي شرف الدين أحمد بن منصور وتضجره من الإقامة بمصر، فأذن لَهُ فِي العود إِلَى دمشق واستقر الجار مكانه فاستعظم الناس ذَلِكَ لما يعرفوه منه من البَأْوِ وكونه عارياً من الفقه.
فلما ولي ساس الناس سياسة جميلة، وصفح عمن أساء إِلَيْهِ، وَكَانَ فِي نفسه مهذّباً غير فحاش، واعتمد فِي ولايته عَلَى شمس الدين محمد القرمي صهره عَلَى ابنته، فأغراه القرمي بأن يضاهي قاضي الشافعية فِي لبس الطرحة والاستنابة فِي البلاد، فأنشأ مودعاً للحنفية، وَكَانَ السراج الهندي أراد ذَلِكَ فِي أيام يلبغا فلم يتم لَهُ ذَلِكَ، فسعى الجار عند بَرَكة فألبس الخلعة، فسعى ابن جماعة حَتَّى أبطل ذَلِكَ وساعده أكمل الدين، وقال فِيهِ الشعراء، من ذَلِكَ قول ابن العطار:
أمرت تركياً بمودع حكم ... حنفي لأجل منع الزكاة
رَبّ خُذهم فإنهم إن يعيشوا ... يُخشَ أن يأمروا بترك الصلاة
وقال المجد إسماعيل:
أراد الجَارُ جَوْراً فِي اليتامى ... وَفِي الأموال حَيْفاً وَفِي الأَيَامَى
فالبرهان قَدْ قطع اعتداه ... ولو قَدْ مُكِّنَ القرمي ياما
ومما مدح بِهِ جار الله:
للهِ جارُ اللهِ حاكِمُنا الَّذِي ... مَا مِثلُه يُسعَى لَهُ ويُزَارُ
حُبَّاً لَهُ وكرامةً مِن ماجِدٍ ... حَسْنَت خلائِقُه ونِعْم الجارُ