وَكَانَ ضَمِنَ لكافور عَلَى ولايته مصر وعملها والرَّمْية وطَبريَّة مالاً، فحلّ الأجل فطالبه الوزير جعفر وتهدّده فهلع وخار طبعه، فاعتلّ سبعة أيام ومات، وقيل إنه مات مسموماً سمّه خادم لَهُ خصِيّ.

قال ابن زولاق: وَكَانَ كاتباً حاسباً يعرف الأدب وأيام الناس، وكتب الحديث، وخدم كافور قديماً، وأكل معه وسامره وَكَانَ جريّاً عَلَى مَا يريد. وَكَانَ يمازح صالح بن نافع ممازحة قبيحة فِي الصفاع، فعمل فِيهِ بعض الشعراء عَلَى لسان شخص كَانَ ينقر نقوش الخواتيم بيده.

إني إِلَى القاضي أمتُّ بحُرمةٍ ... هي بيننا حق كفرض لازم

سِرٌّ لطيف فِي قَفاه وَفِي يدي ... هي آية بَهَرَتْ عقول العالَم

فَقَفَاه ينتقد الأَكُفّ بحسّه ... ويداي تَخْشَى فَضَّ نَقْشِ الخاتمِ

وَكَانَ ذَلِكَ فِي رمضان سنة سبع وأربعين، وَكَانَ جواداً وَقَدْ مدحه أبو الطيب المتنبي بالقصيدة التي أولها:

أَفَاضِل الناس أغراضٌ لِذَا الزَّمنِ

يقول فِيهَا:

قاض إِذَا التبس الأمرانِ عَنَّ لَهُ ... رأيٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الماء واللَّبَنِ

وذكر ابن زولاق فِي ترجمة أبيه عبد الله بن محمد أنه كَانَ يباشر معه القضاء، وأنه كَانَ كثير التزوير، وأنه زوَّر عهداً عن المطيع لأبيه، وشاع عن الخَصِيبيّ أنه قال: العمل لولدي وإنما أنا معين لَهُ.

وكان الخَصِيبيّ يوقّع بيده وبخط أبيه توقيعات ويختِمها ويكتب فِي عُنوانها (محمد بن عبد الله) ، ثُمَّ استبدّ بالأنكحة وتقدّم إِلَى كُتّاب الشروط أن لا يكتبوا إِلاَّ للقاضي (محمد بن عبد الله) .

وامتدت يد الابن فعزل وولّى حَتَّى كَانَ هو المستقل بالأمر، وَلَيْسَ لأبيه إِلاَّ الاسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015