وكثرة النور تغشى ناظر المُقَلِ
فأعجب الكامل سرعة استحضاره. وكتب عَلَى نسخته من المقامات للحريري بط بعض الأكابر: وصار الحريري لَمَّا انتسبتْ إِلَيْهِ أجل من المطرز المذهب.
واتفق أن فخر الدين عثمان لَهُ بنت تزوجت بالريف ثعلب فمات فورثت منه. ثُمَّ تزوجت بالأمير شجاع الدين ابن علكان فأقر لَهَا انم جميع دوره ملك لَهَا، وكتب لَهَا بذلك مكتوباً، فلما وقف ابن عين الدولة عَلَيْهِ قال: كأنها استطابت الميتة فتعجلت الميراث، وكتب فِي آخر الإِسجال:
وكذا الحلاوة حين طاب مدامها ... جُعلت مؤخرة عن الألوانِ
وثبت عنده لشخص عَلَى آخر دين فطلب اعتقاله، فقال: أنا أحتال لَهُ برهن فأنشده القاضي:
الجودُ طبعي ولكن لَيْسَ لي مال ... وكيف يصنع من بالرهن يحتالُ
كتب لَهُ حسن بن محمود مدة، وَكَانَ فائقاً بذلك فاستقل بِهَا، ثُمَّ ولي وكالة بيت المال، فكتب لَهُ المخلص عبد الرحمن بن عبد الملك، وَكَانَ عارفاً بالفقه قادراً عَلَى النظم والنثر. ثُمَّ كتب لَهُ عبد الكريم بن علي العسقلاني، وَكَانَ عفيفاً جواداً، وَلَمْ يكن لَهُ سوى بغلة واحدة، فإذا كَانَ الربيع استأجر بغلة فِي كل يوم بثلاثة دراهم.
وقال علي بن سعيد المغربي فِي تاريخه: كَانَ أبو المكارم من أعجب الحُكام لأنه كَانَ من أهل الزهد والورع مع النوادر واللطائف، فكان بالأدباء أشبه منه بالقضاة. قال: وَقَدْ أجمع الملأ عَلَى أنه مع طول ولايته لَمْ يتهمه أحد بدرهم واحد أخذه عَلَى الحكم وَكَانَ السلطان الكامل يستطيب مجالسته ويستكثر منها. وسأله مرة عن سنّه فارتجل يقول:
يَا سائلي عن قُوَى جسْمي وَمَا فعلتْ ... فِيهِ السنونَ ألا فاعلمه تَبْيينا
ثَاءُ الثلاثين أَحْسَسْتُ الفتورَ بِهَا ... فكيف حالي فِي ثاء الثمانينا