فاستحسن ذَلِكَ من حضر، واستمر شافعياً، وَكَانَ يقول: حَكَم من أقاربي سبعة عشر نفساً، منهم ثمانية بالإِسكندرية، وسائرهم بالفيوم والبحيرة.
ويقال إن دِرْباس لما استنابه توقف، وَكَانَ جمال الدولة أبو طالب صهر القاضي حاضراً فَأسَرَّ إليه لا تستعف، فإنك بعد ثلاثين سنة قاضي القضاة، فكان كذلك، ثُمَّ ناب بعد ذَلِكَ لمن ولي صدر الدين إِلَى أن استقل بالقضاء فِي سنة ثلاث عشرة وستمائة واستمر إِلَى أن مات فِي ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة، فكانت مدة حكمه نيابة واستقلالاً خمساً وخمسين سنة.
ولما تحول شافعياً تفقه عَلَى أبي إسحاق العراقي، وضياء الدين ابن دِرْبَاس، وأخذ أيضاً عن أخيه أبي القاسم، وروى عن والده، والسِّلَفِيّ، وأبي الطاهر ابن عوف، والصدر ابن دِرْبَاس، وأبي الطاهر ابن بُنان، واليسع بن عيسى بن حزم، ومحمد بن يوسف القرطبي. وأجاز لَهُ أبو الفرج ابن الجوزي وجماعة.
وذكره الحافظ المنذري وقال: علقتُ عنه شيئاً، وَكَانَ حسن الخط، لَهُ نظم ونثر ويحفظ من الشعر شيئاً كثيراً، وسمعته يقول: ولدت فِي جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ودخلت مصر فِي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وكتبت فِي الحكم عند صدر الدين ابن دِرْبَاس سنة أربع وثمانين، ثُمَّ ولي قضاء القاهرة والوجه البحري فِي سنة ثلاث عشرة وستمائة ثُمَّ ضم إِلَيْهِ مصر والوجه القبلي فِي سنة سبع عشرة وستمائة وأضيفت إِلَيْهِ من بلاد الشام غزة وغيرها، وَكَانَ عارفاً بالأحكام مطلعاً عَلَى غوامضها.
قرأت فِي تاريخ مصر لشيخ شيوخنا القطب: كَانَ هَذَا القاضي جواداً زاهداً، وَلَمْ تجب عَلَيْهِ زكاة قط، وَكَانَتْ وفاة والد أبي المكارم فِي سنة سبع وسبعين وخمسمائة وَلَهُ سماع من السِّلفي. سمع منه ولده ومن نوادره أنه ناظر فقيهاً فتبين لَهُ أن دعواه أكثر من علمه فأنشد:
وادعى أنه خبير بصير ... وهو فِي العمى ضائع العكّاز
ومنها أنه تلقى الملك الكامل وَقَدْ قدم من سفر وصحبته الملك الناصر داود ابن المعظم فقال لَهُ الكامل لمّا سلم عَلَيْهِ: سلم عَلَى الملك الناصر، فسلم عَلَيْهِ وقال: