وباع ولدُه عبدُ الله من الأمتعة شيئاً كثيراً، حَتَّى قيل إنه باع من الصيني خاصة بأربعين ألفاً، ومن الجواري نحو العشرين من عشرة آلاف فما دونها، ومن الجواهر واللؤلؤ والزركش مائة ألف. ويقال إن جميع مَا أبيع لهم كَانَ بنصف قيمته. وبعد ذَلِكَ كله أكروا ستين محارة خارجاً عن الأحمال من الزاد والماء. ومع ذَلِكَ شق عَلَى أكثر الناس مفارقة القاضي جلال الدين لما كانوا يرون منه من الإحسان بعلمه وجاهه وماله، وَلَمْ يكن جوده مقصوراً عَلَى طائفة، بل يكرم الطلبة والفقهاء والفقراء.

وكان صرفه فِي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وَكَانَ الناصر كثير الميل إِلَيْهِ حَتَّى أنه لما أراد الرحيل راسل السلطان أن يأذن لَهُ فِي توديعه فقال: لا أقدر أن أراه، فإنني متى رأيته وليته قضاء مصر. وذلك لكثرة ميله إِلَيْهِ ومحبته فِيهِ. وَلَمْ تطل مدته بدمشق بل أقام بِهَا إِلَى جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ومات.

محمد بن عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن علي بن صَدَقَة بن حَفْص الصَّفْرَاوِيّ شرف الدين أبو المكارم ابن القاضي رشيد الدين أبي الحسن ابن أبي الحسن ابن أبي المجد ابن عين الدولة الصفراوي الإِسكندراني الأصل، نزيل مصر، من المائة السابعة.

ولد فِي مستهل جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وكتب لابن درباس، وناب عنه فِي الحكم فِي سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو من أهل بيت علم وقضاء ومال، وَكَانَ أول أمره مالكي المذهب، فاتفق أن خطيب الجامع الأزهر عزل، فأمر صدر الدين ابن دِرْبَاس أبا المكارم أن يخطب وَكَانَ يوقع عنه فأجاد وأبلغ وأدى الموعظة أحسن تأدية، ولما صلى جهر بالبسملة، فلما فرغ شكره القاضي وأبلغ فِي الثناء عَلَيْهِ. فقال لَهُ بعض من حضر: جهرت بالبسملة وخالفت مذهبك، فقال:

فراقٌ ومن فارقتُ غير مُذمَّم ... وأمِّمْ ومن يممت خير ميممِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015