جنس الْإِسْكَار الَّذِي هُوَ عِلّة فِي حُرْمَة الْخمر، وَمُقْتَضى ذَلِك: الْقيَاس عَلَيْهِ فِي الْحُرْمَة، فقد عَارض مَا خُيل كَونه مصلحَة (مُرْسلَة) الْقيَاس الصَّحِيح الَّذِي هُوَ أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ فَلَا عِبْرَة بِهَذِهِ الْمصلحَة1.
وَأما إِن كَانَت الْمصلحَة مُعْتَبرَة فَلَا يكون التَّعَارُض بَينهمَا - إِن وجد – إِلَّا جزئياً كَالَّذي يكون بَين الْعَام وَالْخَاص وَالْمُطلق والمقيد، فالتعارض فِي الْحَقِيقَة بَين دَلِيلين شرعيين، وَأمر التَّرْجِيح والتأويل فِي هَذِه الْحَال عَائِد إِلَى الِاجْتِهَاد الأصولي الثبت فِي علمه وفهمه، وَعَلِيهِ أَن يجمع بَينهمَا وَيقدم الرَّاجِح مِنْهُمَا لِأَن الشَّرْع يقْصد إِلَى الْأَرْجَح من المصلحتين عِنْد التَّعَارُض - كَمَا تقدم.
5 - عدم تفويتها مصلحَة أهم مِنْهَا أَو مُسَاوِيَة لَهَا.
وَذَلِكَ لِأَن الشَّرِيعَة قَائِمَة على أساس مُرَاعَاة مصَالح الْعباد، وَالْمَقْصُود بمراعاتها لمصالحهم أَنَّهَا تقضي بِتَقْدِيم الأهم مِنْهَا على مَا هُوَ دونه، وبالتزام الْمفْسدَة الدُّنْيَا لاتقاء الْكُبْرَى حينما تتلاقى الْمصَالح والمفاسد فِي منَاط وَاحِد، أَو يسْتَلْزم إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى لسَبَب مَا.
فَإِذا تَعَارَضَت مصلحتان فِي منَاط وَاحِد بِحَيْثُ كَانَ لَا بُد لنيل إِحْدَاهمَا من تَفْوِيت الْأُخْرَى نظر إِلَى قيمتهَا من حَيْثُ الذَّات - وَقد وجدنَا أَن كليات الْمصَالح الْمُعْتَبرَة شرعا مندرجة حسب الأهمية فِي خمس مَرَاتِب وَهِي حفظ الدّين وَالنَّفس وَالْعقل والنسل وَالْمَال - فَمَا بِهِ يكون حفظ الدّين مقدم على مَا يكون بِهِ حفظ النَّفس عِنْد تعارضهما، وَمَا بِهِ يكون حفظ النَّفس مقدم على مَا يكون بِهِ حفظ الْعقل وَهَكَذَا ...
ثمَّ إِن رِعَايَة كل من هَذِه الكليات الْخمس يكون بوسائل متدرجة حسب الأهمية فِي ثَلَاث مَرَاتِب، وَهِي: الضروريات فالحاجيات فالتحسينات