وَقَالَ: "إِن النُّصُوص مُخْتَلفَة متعارضة فَهِيَ سَبَب الْخلاف فِي الْأَحْكَام المذموم شرعا ورعاية الْمصَالح أَمر حَقِيقِيّ فِي نَفسه لَا يخْتَلف فِيهِ، فَهُوَ سَبَب الِاتِّفَاق الْمَطْلُوب شرعا فَكَانَ اتِّبَاعه أولى"1.
والحقيقة أَن الطوفي وَقع فِي تنَاقض عَجِيب، فَهُوَ عِنْدَمَا عرض فِي كِتَابه (شرح الْأَرْبَعين حَدِيثا) أَدِلَّة الشَّرْع وَجعلهَا تِسْعَة عشر دَلِيلا، ثمَّ قَالَ: "وَهَذِه الْأَدِلَّة التِّسْعَة عشر أقواها النَّص وَالْإِجْمَاع ... " ثمَّ عَاد - كَمَا تقدم - فَقَالَ: "إِن رِعَايَة الْمصلحَة مُقَدّمَة على الْإِجْمَاع" إِذا فَهِيَ أقوى أَدِلَّة الشَّرْع كلهَا، أفيكون تنَاقض أبلغ من هَذَا وأوضح؟!
ثمَّ إِن الأساس الَّذِي بنى عَلَيْهِ زَعمه هَذَا أساس محَال غير مُتَصَوّر الْوُقُوع أَلا وَهُوَ فرض كَون الْمصلحَة مُخَالفَة للنَّص وَالْإِجْمَاع، ومحال أَن تَجِد آيَة أَو حَدِيثا صَحِيحا يدعوان إِلَى مَا يُخَالف الْمصلحَة الْحَقِيقِيَّة.
4 - أَن لَا تعَارض الْقيَاس الصَّحِيح، لِأَن الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ مُرَاعَاة مصلحَة فِي فرع بِنَاء على مساواته الأَصْل فِي عِلّة حكمه الْمَنْصُوص عَلَيْهِ، فبينهما من النِّسْبَة إِذا الْعُمُوم وَالْخُصُوص الْمُطلق، إِذْ الْقيَاس فِيهِ مُرَاعَاة لمُطلق الْمصلحَة، وَفِيه زِيَادَة على ذَلِك الْعلَّة الَّتِي اعتبرها الشَّارِع، ومراعاة مُطلق الْمصلحَة أَعم من أَن تُوجد فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة، أَو لَا، فَكل قِيَاس مُرَاعَاة للْمصْلحَة، وَلَيْسَ كل مُرَاعَاة للْمصْلحَة قِيَاسا.
فَإِذا وجد أَن مصلحَة عارضتْ قِيَاسا صَحِيحا، فإمَّا أَن تكون مصلحَة موهومة فَهَذِهِ لَا عِبْرَة بهَا كَمَا فِي شرب البيرة، فقد يرى بعض النَّاس فِيهِ وَصفا مناسباً لحلّه من لَذَّة أَو فَائِدَة متخيلة عِنْد الطَّعَام مثلا، وَلَكِن فِيهِ وَصفا آخر هُوَ