...
رِعَايَة الْمصلحَة وَالْحكمَة فِي تشريع نَبِي الرَّحْمَة (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
إعداد
د. مُحَمَّد طَاهِر حَكِيم
الْأُسْتَاذ المساعد فِي كُلية الشَّرِيعَة فِي نواكشوط
الْمُقدمَة
الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا رَسُول الله وَآله وَصَحبه.
وَبعد، فَإِن الْعلم بالمصالح والمفاسد واعتبارها وتقديرها عِنْد دراسة الْأَحْكَام والفتاوى الشَّرْعِيَّة أَمر مُهِمّ عِنْد أهل الْعلم، بل إِنَّه لَا يُمكن فهم الْكتاب وَالسّنة ودراستهما واستلهام هديهما وَالْعَمَل بأحكامهما إِلَّا بفهم الْمَقَاصِد والمصالح الَّتِي شرعت الْأَحْكَام لأَجلهَا. يَقُول الإِمَام الشاطبي رَحمَه الله: "الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَيست مَقْصُودَة لأنفسها، وَإِنَّمَا قُصد بهَا أُمُور أُخْرَى هِيَ مَعَانِيهَا وَهِي الْمصَالح الَّتِي شُرعت لأَجلهَا"1
والفقيه لَا يكون فَقِيها بحقٍ إِلَّا بِمَعْرِِفَة حِكم الشَّرِيعَة ومصالحها ومقاصدها والنفوذ إِلَى دقائقها والمعرفة بأسرارها ليبين للنَّاس أَن لكل حكم من أَحْكَام الْإِسْلَام غَايَة يحققها ووظيفة يُؤَدِّيهَا وَحِكْمَة ظَاهِرَة أَو كامنة يعْمل لإيجادها ومقصداً وهدفاً يَقْصِدهُ ويستهدفه لتحقيق مصلحَة لإِنْسَان أَو دفع مفْسدَة عَنهُ.
وَأَن مالم يكن فِيهِ تَحْقِيق مصلحَة أَو دفع مفْسدَة فَهُوَ عَبث تتنزه عَن مثله شَرِيعَة الله.
إِذن فَإِن دراسة الْمصَالح والمفاسد ومعرفتها واعتبارها وبيانها للنَّاس أمرٌ مُهمّ وضرورة مُلحّة لإِظْهَار محَاسِن الشَّرِيعَة وأسرارها ولتجديد الْفِقْه وتقوية دوره ونشاطه وحيويته وصفائه ومنعاً من جموده وخموده فِي الْحَيَاة.