حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن هِلَال جدي فِيهِ بِمَا قَالَ: حَدثنِي سِنَان بن ثَابت جدي قَالَ: كَانَ وَالِدي ثَابت من أعرف النَّاس برسوم خدمَة الْخُلَفَاء فَكنت أرَاهُ فِي أَسْفَاره مَعَ المعتضد بِاللَّه صلوَات الله عَلَيْهِ إِذا استدعاه إِلَى مسايرته وَأمره بمحادثته يخرج عَلَيْهِ فِي المسايرة حَتَّى يكون كالسابق لَهُ قَلِيلا فَظَنَنْت أَولا انه فعل ذَلِك سَهوا إِلَى ان كثر كَثْرَة علمت بهَا انه متعمد لَهُ فَسَأَلته عَن السَّبَب فِيهِ فَقَالَ لي: يَا بني ان من الإدب الْمَأْخُوذ على من أَهله الْخَلِيفَة لمسايرته ومطاولته فِي مواكبه ان يكون مركوبه مُخْتَارًا سليما من المعايب الَّتِي تعرض فِي المسايرة فَإِنَّهُ ان كَانَ كثير اللعاب أَو كثير الْعَبَث بِرَأْسِهِ أَو مداوما للصهيل والشغب أَو مُعْتَادا للحران والتحصن لم يصلح ان يُسَايِر الْخَلِيفَة على مثله وَلأَجل ذَاك يخْتَار الإتباع مسايرة رُؤَسَائِهِمْ على البغلات الطاهرات الْأَخْلَاق نعم وَمن أدب المسايرة للخلفاء والكبراء ان يكون التَّابِع سائرا من تَحت الرّيح ليَكُون الرئيس فِي أَعْلَاهُ فَلَا يتَأَذَّى بالغبار الَّذِي يثيره الْحَافِر وَلَا بروائح الروث وان يَأْخُذ أَيْضا الْجَانِب الَّذِي يُقَابل الشَّمْس ليَكُون الْخَلِيفَة والرئيس الَّذِي يسايره مستدبرا لَهَا وان يخرج عَلَيْهِ فِي المسايرة شَيْئا يَسِيرا كَمَا تراني أفعل ليَكُون هُوَ الملتفت إِلَيْهِ وَلَا يكلفه الِالْتِفَات حَتَّى إِذا انْقَضى مَا يُخَاطب فِيهِ وَأَرَادَ التباعد عَنهُ تقدم وَكَانَ فِي أَوَائِل موكبه مَتى احْتَاجَ إِلَيْهِ استدعاه من أَمَامه وَلم يتجشم التَّوَقُّف على انْتِظَاره.