وَكَانَ عضد الدولة عِنْد قدومه إِلَى الحضرة فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة وانهزام الأتراك المعزية وَخُرُوج الطائع رحمت الله عَلَيْهِ مَعَهم وخلو دَار الْخلَافَة أحب ان يشاهدها ويستقرئ أبنيتها ومجالسها ودورها وصحونها ودواخلها وغوامضها فَصَارَ إِلَيْهَا وطافها موضعا موضعا وَبَين يَدَيْهِ مؤنس الفضلي الْحَاجِب يرِيه شَيْئا شَيْئا ويعرفه مَكَانا مَكَانا حَتَّى إِذا انتهي إِلَى دَار السِّرّ المرسومة بِالْحرم وقف مؤنس وَقَالَ هَذَا أَيهَا الْملك مَوضِع مَا طرقه فَحل غير الْخُلَفَاء وَالْأَمر أَمرك فِي دُخُوله أَو تَركه على مَا جرى بِهِ رسمه فَقَالَ: ارْجع بِنَا عَنهُ وتجاوزه وَلم يدْخلهُ فَكَانَ أدب مؤنس فِي الْوُقُوف الَّذِي وَقفه أفضل أدب وَفعل عضد الدولة فِي الْعُدُول عَنهُ أحسن فعل.
وأياك مُرَاجعَة السُّلْطَان قولا عِنْد التغضب واستكراهه على اللين اثر التصعب فَإِن المحاجة دَاعِيَة اللجاجة والحرص على الصّلاح فِي غير أَوَانه باعث على قُوَّة الْفساد وتطاول زَمَانه وَعَلَيْك بِالصَّمْتِ عِنْد الفورة والحصر عِنْد النعرة واجتهد فِي الْبعد عَن عيانه عِنْد بَوَادِر لَفظه وشوارق غيظه وانتظر فِي ايراد عذرك وان كنت واثقا بِهِ سُكُون صَدره من توهجه وخلو قلبه من توقده ثمَّ أت بِهِ لطيفا يكون غرضك فِيهِ زَوَال الشُّبْهَة لَا الإدلال بِبَرَاءَة الساحة فَإِن الْعذر الْخَالِي من اللطف شَرّ من الذَّنب الْخَالِي من الْعذر واسلك فِي الاستعطاف سَبِيل الرِّفْق من غير إكثار فِي المعاودة وَلَا كد بالشفاعة فالعود على مَحْمُود الْعَاقِبَة مَا كَانَ عَن نِيَّة طَائِعَة وأرادة صَادِقَة وَأحذر زلات قَوْلك وفلتاته وعاص مَا يتملكك من شهواته ولذاته وَاجعَل جوابك عَمَّا تراعى عواقبه وَتخَاف بوائقه إِشَارَة لَا إفصاحا