التمييز والمعارف [إنما هو من النفس فقط، ولاحظ في ذلك للجسم أكثر من أنه آلة لها بمنزلة الآلات للصناعة، ولا يصح وجود التمييز والمعارف] من موات، وإنما يصح وجودهما من حي فالنفس إذن حية بالطبع؛ لأن في طبيعتها قبول العلوم والمعارف، والجسم موات بالطبع، إذ ليس في طبعه قبول شيء من ذلك فبان بالبرهان أن الإنسان مركب من جوهرين:
أحدهما: حي بالطبع وهو النفس والآخر موات بالطبع وهو الجسم، وأنهما لما افترقا عرض لكل واحد منهما عرض من قبل صاحبه، [فعرض للجسم الحياة التي هي الحس من قبل النفس، وعرض للنفس الموت الذي يراد به الجهل من قبل الجسم].
فالنفس- إذًا- حية بالطبع ميتة بالعرض، والجسم ميت بالطبع حي بالعرض، فإذا انفصل كل واحد منهما من صاحبه خلص للجسم الموت المحض الذي هو طبعه، وفارقته الحياة العرضية التي كان استفادها من النفس، وخلص للنفس الحياة المحضة التي هي طبعها، وفارقها الموت العرضي الذي كان عرضًا لها من قبل استغراقها في الجسم.
برهان سادس: النفس الناطقة تناقض النفس الحيوانية؛ لأنها ترغب في كسب الفضائل واطراح الرذائل، وتزهد في اللذات الجسدية وترغب في اللذات العقلية، والنفس الحيوانية بضد ذلك، ولذلك سميت بهيمية، فإن كان لا بقاء للنفس الناطقة بعد فراق الجسد ولا لها حياة أخرى تجني فيها ثمرة ما تسعى فيه وتحض عليه، فالنفس الحيوانية [إذًا أشرف من الناطقة، وما تأمر به النفس الحيوانية] من