ويقال لمن زعم أن الطبيعة تفعل بغير قصد فكيف زعمتم أن تركيب الإنسان من فعلها، وكيف يقع مثل هذا من غير قصد؟ بل يجب على حسب ما أعتللتم به أن تكون الطبيعة تُخطئ وتصيب وقد سألنا الجميع في الطبيعة بما فيه كفاية. فأما ما حكينا عنهم في الطبيعة وقول بعضهم إنها فوق الفلك وقول الأُخر إنها دونه فهو خلاف فيما بينهم وقد بيّنا في قوليهما حجتيهما ويقال إنّ الجنين يتصور - زعمتم - بطبيعته، وطبيعته هي صورته التي بها يتكون وينمى. فإذا كانت طبيعته هي التي تصوره فقد صار المصور هو المصور. ولو جاز ذلك جاز أن يكون المؤلف هو المؤلف وقد كان أبو هلال الحمصي المترجم لكتب اليونانيين زعم أن هذا العرض إنما هو في الرحم ولكنه يخرج من الرحم فيداخل النطفة ويصورها كما تخرج من حجر المغناطيس قوةٌ تجذب الحديد. وإنما قال ذلك هرباً من أن يقول إن المصور هو المصور. قيل أفليس حجر المغناطيس قد يفعل ذلك عندكم وبينه وبين الحديد فُرجة وحاجز؟ فلا بد من نعم. يقال له فكذلك يجوز أن يكون الرحم والنطفة؟ فإن قالوا نعم تركوا قولهم، وإن قالوا لا خالفوا بين موضوعهم ومثله. ويقال إن تصور الفرخ في البيضة بمنزلة تصور الإنسان في الرحم، فأي قوةٌ فيكون عنها أشياء مختلفة كالسمع والبصر وغيرهما وجوهر الرحم جوهر واحد؟ ويقال له لِمَ لا تقول أن قوةً تخرج من الأُم دون الرحم ومن الهواء ومن الزمان أو من غير ذلك؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015