وأما مَن زعم من أهل الدهر أنّ في المني قوةً تصور الجنين إما منه وإما من دم الطمث فإنهم استدلوا على صحة ذلك بأن المني إذا لم يكن في الرحم لم يكن جنين، فيقال لهم ولو كان بكون المني يكون الجنين فقد يكون في الرحم وتتم له الشهور ولا تجد المرأة علةً ولا يكون الجنين، فلسنا نرى وجود المني إلاّ بمنزلة عدمه. ويقال لهم ما يدريكم لعل في الرحم تصور الجنين في المني؟ وهذه ظنون الاستدلالات
وأما زعم من زعم منهم أن في الرحم قالبا يتصور فيه الجنين فإنهم قالوا: لا بد للمصور من مصور يلامسه يعانيه أو تقذف النطفة في قالب تتصور فيه، فلما لم يكن في الرحم من يعاني ويلامس ولا يتهيأ ذلك لو أراده مريد في ظلمة الرحم وامتناع التي هي النطفة ثبت أن النطفة تقذف في قالب. فيقال لهم فهل شاهدتم طينة تقذف في قالب فتأتي بعد قذفها مدة طويلة؟ فإن قالوا نعم أكذبهم الوجود، وإن قالوا لا قيل لهم فما أنكرتم من أن تكونوا لم تشاهدوا مصورا إلا بمؤاتاة، وقد يجوز أن يصور مصور لا بمؤاتاة. ويقال لهم نرى النطفة جوهرا متشابه الأجزاء كالذهب والفضة والنحاس إذا صب في قالب اختلفت صورتها لأن جوهرها وجوهر الإنسان مختلف ففيه عظم ومخ رطب وعين دراكة وجلد يمنع من الإدراك. ويقال لهم وكيف ذهبت العين إلى موقعها دون أن تنزل عن موضعها ويكون في مكانها بعض جسد الإنسان؟ وكذلك السؤال عليهم في سائر الأعضاء المرتبة في موضعها. ويقال لهم اعملوا على أن في الرحم قالبا فيه يتصور الجنين، فهل