واستدل مَن زعم أن الطبيعة غير حكيمة ورام بذلك إبطالها وأنها تفعل لا بقصدٍ ولا ترتيب بأنها موات وبما نشاهد من العاهات في أبدان الحيوان ومن نقصان أعضائهم وحواسهم، ومن قرون الأياييل الطوال التي تضر بها وربما نطحتها في أغصان الشجر حتى تُصاد وتتلف، وما يحدث من طول مناقير بعض الجوارح حتى تمنعها من تناول ما تغتدي به، وما في الإنسان من الثديين اللذين لا ينتفع بهما، ومن مجيء المطر في غير أبانه ومجيء البرد والحر في غير أوقاتهما حتى يُفسدان الشجر وسائر النباتات. وهذا داخل على الصنف الذين أثبتوا الحكمة للطبيعة. وقد زعم بعضهم أن ذلك لغلطٍ يعرض للطبيعة واعتذروا لذلك بأن قال يحيى النحوي في المقالة الثانية من تفسيره لسمع الكيان ان هذه الأمور طبيعية وليست بخارجةٍ عن الطبيعة، لأن الذي أوجبته الطبيعة الكلية التي أوجبت الكون والفساد بحركات الكواكب وتغيير العناصر مما توجبه بنية العالم. ولم تغلط الطبيعة الشخصية التي هي لكل واحد من هذه الأنواع، وإنما منزلتها منزلة الصانع الذي إذا فسدت عليه الأشياء التي يعملها فصنعها على أحكم ما يمكنه ووقع فيها فساد لم ينسب إلى غير الحكمة، كالخشبة ذات العقد والفساد الذي لا يمكن النجار الحاذق من صنعتها كرسياً جيداً وسريراً مستوياً. قلنا فلن يخلو ذلك من أن يكون بغلط من الطبيعة الكلية أو ليس بغلط. فإن كان بالغلط منها فقد صارت الطبيعة الكلية تغلط وتفعل الفساد لعلةٍ من العلل وهذا خلاف قولهم.

وإن جاز أن تغلط الطبيعة الكلية جاز أن تغلط الطبيعة الشخصية ويؤول الأمر إلى ما قال هؤلاء. وقال بعضهم إنما حدث لشيء في الهيولي يعوق الطبيعة عن تصويره على ما يحب فيقال لهم إنما زدتمونا دعوى أكدتم بها دعوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015