رسائل المقريزي (صفحة 318)

الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام على الأمير آنوك ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون «1» بعد ما أقام- المهم- سبعة أيام بلياليها، وحضره نساء الأمراء بأجمعهن وجلس السلطان في ليلة السابع على باب القصر من قلعة الجبل، وتقدم الأمراء على مراتبهم واحدا بعد واحد، لعرض شموعهم التى يقدمونها، فكان الأمير منهم يقبل الأرض، ويتأخر فيقدم شموعه، حتى انتهوا فكانت زنة شمعهم المحضر في تلك الليلة ثلاثة آلاف قنطار وستين قنطارا، وفي تلك الشموع ما اعتنى به، ونقش نقشا بديعا تنوع صناعه في تحسينه، وبالغوا في التأنق فيه، ثم جلس السلطان ليلة العرس، وأشعلت بأسرها بين يديه، وقد جلس ابنه آنوك تجاهه، فأقبل الأمراء وكل أمير يحمل بنفسه شمعة، ومن خلفه مماليكه تحمل بقية شمعه، ويتقدم واحد بعد واحد- على قدر رتبته- وهو يقبل الأرض، فما تم مرور آخرهم حتى مضى معظم الليل، فنهض السلطان وعبر إلى حيث مجتمع النساء، فقامت نساء الأمراء بأسرهن وقبّلن الأرض واحدة بعد أخرى، وقدمن ما أتين به من التحف الفاخرة، والنقوط، حتى انتهين، ثم قمن يرقصن عن آخرهن واحدة بعد واحدة، والمغانى تزفهن، وأنواع المال من الذهب والفضة، وشقاق الحرير تلقى على المغنيات فحصل لهن من ذلك ما يجلّ وصفه.

ثم جلس السلطان من الغد، وخلع على جميع الأمراء، وبعث إلى نسائهم، كل واحدة بتعبية قماش على مقدار زوجها، فكان هذا العرس من الأعراس العظيمة، ذبح فيه من الخيل، والبقر والغنم، والأوز والدجاج ما يزيد على عشرين ألف حيوان، وعمل فيه من السكر برسم الحلوى والمشروب ثمانية عشر ألف قنطار، وكانت شورة العروس التى حملها أبوها تنكز. وذكر القاضى شهاب الدين أحمد بن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله العمرى «2» فى كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» عند ذكر مدينة «ذلّة» من بلاد الهند، ما نصه: «وأما العسل فأكثر من الكثير، وأما الشمع فلا يوجد إلا في دور السلطان ولا يسمح فيه لأحد» والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015