البنية.
ولذلك زعم بعض العلماء المتقدمين: «أن النحل أشبه الحيوان في تدبير أمرها بالإنسان» ثم قال: «أمرهنّ شبيه بأمير يسوس المدائن الكثيرة الأهل» .
والنحل تبنى لملوكها بيوتا على حدة تكون فيها؛ وكذلك تبنى لذكورها. وزعم بعضهم أن الذكور تنفرد ببناء بيوتها، والذكور لا تعمل شيئا، والعمل للإناث، وهى تقوّت ملوكها وذكورها. وليس للنّحل أقوات إلّا العسل.
والذّكور لا تكاد تخرج إلا إذا أحبّت أن تحرك أبدانها لتخفّ، فإنها حينئذ تخرج بأجمعها، فترتفع في الهواء فتدوّى، ثم ترجع، فتدخل الخليّة.
وإذا كان الزّمان جدبا، وقلّ العسل، قتلت النحل ذكورها، وكثيرا ما يهرب النحل الذّكور إذا أحسّت بذلك، فترى واقعة على ظهور الخلايا خارجا، وهذا شاهد على ما ذكروا من شحّ النحل على العسل وشفقتها عليه، والحرص على الادّخار، والأخذ بالوثيقة عند سوء الظنّ، مع طيب النفس، والسلس «1» عند رخاء البال، وإمكان الكسب، وإن هذا لخلق عجيب، وفهم لطيف.
وكذلك ما ذكروا من طردها ذوات البطالة منها، الكسالى، المتكلة على كسب غيرها، والمعوّلة على ذخائر سواها؛ ولو أننا استعملنا مثل هذا التدبير في كسالانا كان أحزم لنا وأنفع لهم.
ومن الشاهد على أنها لأنفسها ادّخرت ما في بيوتها، وما جمعت من كدّها لا لغير ذلك، شدّة شحّها عليه، وضنّها به، وذبّها عنه، وولهها إذا عرض له، وإلقاؤها أنفسها في المهالك، فإنها تقاتل كل شىء عرض لذخائرها، ثم لا تهرب منه- كائنا ما كان- إلا ما كان من أمثالها من النّحل؛ فإنه ربما أراد بعضها الغارة على بعض، فاقتتلت حتى يقتل بعضها بعضا، أو يهزمه، فيهرب المقهور منها- حينئذ- ويسلم حوزته.