رسائل المقريزي (صفحة 256)

من تصاعد الأبخرة في أيام الشتاء من الجبال وقفر «1» الأرض، فنقول وقد نشأ السحاب من هذين أيضا فما دام الأمر كذلك، فإن البخار الناشئ من الأرض إنما يسير بالنسيم إلى بخار البخار وهما يتحدان عند تصاعدهما فيكون منهما السحاب، ولست الآن بصدد الكلام على هذا فله مكان هو أليق به من هنا.

وقوله: «فتقرب به الملوك للخالق» :

تنويه بهذا المعمّى، حيث نصّ على الملوك، فإنهم أعلى طبقات البشر ولأمر ما يسود من يسود، فما من ملك من الملوك إلا وهو إذا أراد الصلاة التى هى أشرف ما تقرب بها العباد إلى ربهم عز وجل، فإنه يرفع أحداثهم بالماء.

وقوله: «ويوحدوه بقول صادق» .

أى: يفردوه فلا يتقربون في تطهيرهم بغيره، ولا يرد على هذا التيمم بالصعيد من التراب وغيره، فإنه بدل لا يصار إليه إلا عند فقد الماء صورة أو معنى.

قوله: «النصارى تتقرب به واليهود» .

قول ظاهر ما أحد منهم إلا وهو يتقرب بالماء في إزالة أحداثه. ولا يرّد على هذا كون النصارى الآن لا تغتسل من جنابة، ولا تتوضأ، بل ولا توجب إزالة شىء من النجاسات العينية بالماء، فإن هذا من بدع ضلالتهم التى ابتدعوها، وليس مما جاء به المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، كما ابتدعوا الصوم، وأحدثوا فيه أسبوعا من الأسبوع يلزم اليعاقبة دون المليكة افتراء على الله، وكما ابتدعوا الرهبانية، وكما ابتدعوا ومنعوا من أكل اللحوم في أيام الصوم، وكما ابتدعوا من بدعهم التى اتبعتها «2» فى حواشى الإنجيل عندما طالعته قديما.

وقوله: «والكتب المنزلة بذلك شهود» كلام صحيح، ففى القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الأنبياء التى توجد اليوم بأيدى اليهود والنصارى وهى نيف على خمسين كتابا، فى عدة مواضع شاهدة أن الماء يتقرب به، ولولا خوف الإطالة لسردت منها كثيرا، فقبح الله النصارى وجعل عليهم ما يخرج من أسافلهم حيث استدلوا على ترك إزالة النجاسات العينية بقوله في الإنجيل: «ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015