استعارة لطيفة؛ لأن الناس إذا قحطوا وضجوا «1» بالدعاء نزل الغيث غالبا، فعبر عن نزوله وقت اجتماعهم بالدعاء بالسمع، فكأنه سميع لصحيح الأصوات باختلاف اللغات، وتفنن العبارات، فنزل من أعلى السماوات، والأذن الواحدة إشارة إلى الجهة، فإن نزوله إنما هو من جهة العلو المعبر عنها بالسماء، ولا يرد على هذا أن الماء ينبع من الأرض فإنه لا ماء فيها إلا ما استودعته منه في جوفها مما نزل من السماء.
قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ
«2» ، وكونه يبصر بعين زائدة إشارة إلى ما تقدم تبيانه من ظهور تلك الفواقع التى تشبه مقلة العين، فصار كأنه يبصر بعين هى واحدة في الهيئة لا متعددة الكيفية، يعنى استدارتها، وما ألطفه حين وصف العين بالزيادة، إذ هى حادثة لا أصلية كما يحدث الموج في البحر، فلا هو هو ولا هو غيره، ولأصحابنا من الصوفية هنا كلام لا يليق بهذا المقام ذكره.
وقوله: «له قرن كالنخلة السّحوق» «3» هذا تخيل حسن، فإن الماء في حال نزوله من السماء يرى كحبال ممتدة عبّر عن هيأتها بالقرن «4» من باب الاستعارة يعمى به.
وقوله: «يعجب من أبصره ويروق» ظاهر فإن الماء يعجب من رآه ويروقه.
وقوله: «يصل إلى الغرب بالليل» معنى عويص جدا يحتاج إلى إطالة شرح، وملخصه: أن جميع أنهار الأرض الكبار تنبعث خارجة من جهة المشرق، وتمر في جريانها أمة نحو الغرب، ما عدا أنهار ثلاثة وهى: نيل مصر، وعاصى «5» مدينة حماة، ونهر أيل بأطراف بلاد الترك مما يلى الخطا، فإن هذه الأنهار الثلاثة تخالف