وقال أيضا: أنا يزيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح أنبأنا عبد الرحمن بن جبير ابن نفير الحضرمى عن أبيه عن عمرو بن سمعة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبده خيرا عسله قبله» . قيل: وما عسله؟ قال: «يفتح له عملا صالحا بين يدى موته حتى يرضى من حوله» «1» . وهذه مسألة من مسائل أصول الدين مهمة جرى فيها خلاف كبير بين الأشاعرة «2» وبين الماتريدية «3» من الحنيفة، وهى مسألة الموافاة.
فذهب أصحابنا الأشعرية ومن تابعهم إلى القول بالموافاة، وهى أن العبرة في حال العبد المكلف بالخاتمة لأعماله، فمن ختم له من الناس بالإيمان تبين أنه كان عند الله مؤمنا من الابتداء، وأنه كان حين يخر ساجدا للصنم معتقدا للشرك مصرحا بأنه ند لله تعالى كان مؤمنا، ومن ختم له بالكفر- نعوذ بالله من ذلك- تبين أنه كان كافرا من الابتداء، وحين كان مصدقا لله ولرسوله كان عند الله كافرا «4» .
ومنع الماتريدية أصحاب أبى منصور الماتريدى من الحنفية «5» هذا القول وأبطلوه واحتجوا بأن الإيمان هو التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم من عند الله تعالى، وهو أمر حقيقى لا يتبين بانعدامه أنه ما كان موجودا، كمن كان قائما ثم قعد، أو كان شابا ثم شاخ لم يتبين أنه كان قائما ولا شابا.