رسائل المقريزي (صفحة 217)

ثانية وتمازجا والتدبير بحالة فإنه يتركب من مزاجها الجواهر المعدنية التى قد تقدم ذكرها.

الزئبق: يتولد من أجزاء مائية اختلطت بأجزاء أرضية لطيفة كبريتية اختلاطا شديدا حتى لا يتميز أحدهما من الآخر ويكون عليه غشاء ترابى فإذا اتصلت إحدى القطعتين بالأخرى انفتح الغشاء وصارت القطعتان واحدة والغشاء محيط بها كقطرة الماء إذا وقفت على التراب فإنها تبقى مدّورة وتحيط بها الأجزاء الأرضية من التراب، وربما أصاب تلك القطرة قطرة أخرى وانشق ذلك الغلاف وصارت القطرتان واحدة وأحاط بها الغلاف البرّانى وسبب بياض الزئبق صفاء ذلك الماء ونقاء التراب الكبريتى.

وقال أرسطو «1» الزئبق من جنس الفضة لإزالة الآفات، دخلت عليه في معدنه، والآفات هى الرصاص، وتلك الآفات مخلخلة، فصار كأنه شبيه بالمفلوج، وله أيضا صرير ورائحة ورعدة، وهو يحل أجسام الأحجار كلها إلا الذهب فإنه يغوص فيه، وأصل الزئبق من أذربيجان وبالأندلس معدنه أيضا.

والكبريت: يتولد من أجزاء مائية وهوائية وأرضية فإذا اشتد اختلاط بعضها ببعض بسبب حرارة قوية ونضج تام حتى يصير مثل الدهن وينعقد بسبب برودة جزئية وهو ألوان أحمر وأبيض.

فالأحمر معدنه في مغرب الشمس بمواضع لا ساكن بها بالقرب من بحر أوقيانوس والأبيض قد يكون كافيا في عيون الماء الجارى، ويوجد لذلك الماء رائحة منتنة، ويقال: الكبريت عين تجرى، فإذا جمد ماؤها صار كبريتا أصفر وأبيض وأكدر.

وقال الرازى: إن الكبريت يتولد من البخار اليابس الدخانى إذا ماس شيئا من الدخان الرطب لطبخ حرارة الشمس لرطوبة الماء حتى تحيله نارا أو نفطا أو ما أشبه ذلك، والكبريت من البخار الدخانى والرطب امتزجا وطبختها حرارة الشمس حتى صار ما فيه من الرطوبة دهنا لطيفا حارا خفيفا، ولذلك نفاذه؛ لأنه شديد الحرارة فتسرع إليه النار؛ لأن النار تطلب أحرها لقربها منه، بدليل أن الأشياء الرطبة الباردة واليابسة لا تحترق لمضادتها النار بطرفيها، والأشياء الباردة لا تحترق؛ لأنها لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015