رسائل المقريزي (صفحة 167)

وذلك أنه برز المرسوم الشريف، لموالينا قضاة القضاة، أعز الله بهم الدين، أن يلزموا شهود الحوانيت، بأن لا يكتب سجل أرض، ولا إجارة دار ولا صداق امرأة ولا مسطور بدين، إلا ويكون المبلغ من الدنانير المؤيدية، ويبرز أيضا للدواوين الملكية ودواوين الأمراء، والأوقاف ألا يكتبوا في دفاتر حساباتهم متحصلا ولا مصروفا إلا من الدراهم المؤيدية، فتصير الدراهم المؤيدية ينسب إليها ما عداها من النقود، كما جعل الله تعالى الملك المؤيد عزّ نصرة، يضاف إليه ويتشرف به كل من انتسب أو انتمى إليه، والله تعالى أعلم.

وأما الفلوس، فإنه لم تزل سنة الله في خلقه وعادته المستمرة، منذ كان الملك إلى أن حدثت الحوادث والمحن بمصر، منذ سنة ست وثمانمائة، فى جهات الأرض كلها- عند كل أمة من الأمم، كالفرس، والروم، وبنى إسرائيل، واليونان والقبط والنبط، والتبابعة، وأفيال اليمن، والعرب العاربة والعرب المستعربة، ثم في الدولة الإسلامية، من حين ظهورها. على اختلاف دولها التى قامت بدعوتها، كبنى أمية بالشام والأندلس وبنى العباس بالعراق، والعلويين بطبرستان وبلاد المغرب، وديار مصر والشام وبلاد الحجاز واليمن ودولة بنى بويه، ودولة الترك بنى سلجوق، ودولة الأكراد بمصر والشام، ودولة بنى مرين بالمغرب، ودولة بنى نصر بالأندلس، ودولة بنى حفص بتونس، ودولة بنى رسول باليمن، ودولة الحطى بالحبشة، ودولة بنى تيمورلنك بسمرقند، ودولة بنى عثمان بالجانب الشمالى الشرقى- أن التى تكون إثمانا للمبيعات، وقيم الأعمال، إنما هى الذهب والفضة فقط.

ولا يعلم في خبر صحيح ولا سقيم عند أمة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر، أنهم اتخذوا أبدا في قديم الزمان ولا حديثه نقدا غيرهما، إلا أنه لما كانت فى المبيعات محقرات تقل عن أن تباع بدرهم، أو بجزء منه، احتاج الناس من أجل هذا في القديم والحديث من الزمان إلى شىء سوى الذهب والفضة، يكون بإزاء تلك المحقرات، ولم يسمّ أبدا ذلك الشىء الذى جعل للمحقرات نقدا البتة، فيما عرف من أخبار الخليقة، ولا أقيم قط بمنزلة أحد النقدين، واختلفت مذاهب البشر وآراؤهم فيما يجعلونه بإزاء تلك المحقرات، ولم يزل بمصر والشام وعراقى العرب والعجم وفارس والروم في أول الدهر وآخره، ملوك هذه الأقاليم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015