فالله سبحانه وتعالى في آية الكرسي نفي عن نفسه (السنة والنوم) لكمال حياته وقيوميته، وفي الآية الثانية نفى نفسه (اللغوب) وهو التعب؛ لكمال قوته وقدرته، فالنفي هنا متضمن لصفة كمال.
أما النفي المحض فليس بكمال، وقد يكون سببه العجز أو الضعف كما قول الشاعر النجاشي يهجو بني العجلان:
قُبَيِّلَةٌ لا يغدرون بذمة ولا **** يظلمون الناس حبة خردل (?)
فنفى عنهم الظلم لا لمدحهم، ولكن لذمهم؛ لأنهم عاجزون عنه أصلاً.
وكذلك قول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد **** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
فهو لا يمدحهم لقلة شرهم، ولكنه يذمهم لعجزهم، ولهذا قال في البيت الذي بعده:
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا **** شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
وقد يكون سبب النفي عدم القابلية فلا يقتضي مدحاً، كما لو قلت: (الجدار لا يظلم) .
ومن هنا يتبين لنا أن النفي المحض لا يدل على الكمال إلا إذا تضمن إثبات كمال الضد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال؛ لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء فهو كما قيل: ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون مدحاً أو كمالاً.
ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم، والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال+ (?) .
3_التوقف: وذلك فيما لم يرد إثباته أو نفيه مما تنازع الناس فيه كالجسم مثلاً، والحيز، والجهة ونحو ذلك، فطريقتهم فيه التوقف في لفظه فلا يثبتونه ولا ينفونه، لعدم ورود النص بذلك.
أما معناه فيستفصلون عنه، فإن أُريد به معنى باطل يُنَزَّهُ الله عنه رَدَّوه، وإن أُريد به معنىً حقٌّ لا يمتنع على الله قبلوه.