رسائل ابن حزم (صفحة 767)

التابعين، ولا في القرن الثالث واحد فما فوقه فعل هذا الفعل، ولا أباحه لفاعل، فهم المخالفون حقاً للإجماع حقاً في هذا وفي مسائل (?) أخر قد أوضحناها في كتبنا.

وأما ما اختلفت فيه الصحابة، رشي الله عنهم، فليس قول بعضهم أولى من قول بعض، ولا يحل تحكيم إنسان ممن دونهم في الاختيار في قولهم، ولا يجوز في ذلك إلا ما أمر الله تعالى به، إذ يقول: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} (النساء: 95) ، فمن رد الاختلاف إلى اختيار مالك (?) وأبي حنيفة والشافعي أو إنسان بعينه، فقد خالف القرآن والإجماع المتقدم من الصحابة والتابعين، وهو الإجماع الصحيح.

وأما قولهم: إن الصحابة والتابعين بحثوا عنه ووقفوا على حقيقة أوجبت تركه، فهذه صفة معدومة فيما لم يصح نسخه، ولا سبيل إلى وجوبها إلا فيما تيقن نسخه كالقبلة إلى بيت المقدس، وما أشبه ذلك. وأما ما اختلفوا، فحاشا لله أن يكون إجماعاً فيما قد صح فيه الخلاف.

وأما الطامة فقولهم: " فسكتوا عنه للمعرفة الثابتة التي وردتهم "، فهذه عظيمة نعوذ بالله من أن يظن مثلها بالصحابة، رضي الله عنه، من أن سكتوا عن تبليغ ناسخ صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن فعل هذا فقد وجبت عليه اللعنة وحقت، قال الله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون* إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك [174 ظ] أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} (البقرة: 159 - 160) ، فكيف يحل لمن يدري ما الإسلام أن يظن أن الصحابة والتابعين اتفقوا على السكوت عن ذكر حديث ناسخ لعمل شرعي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما لا يظنه بهم إلا الروافض الملعونون، ونعوذ بالله من الخذلان.

وأما قولهم: " وإنهم في غير الثقة والقبول غير متهمين "، صحيح، وهو قولنا لا قولهم؛ لأنا نحن الذين ندين لله تعالى بكل ما أسنده لنا الثقة عن الثقة حتى يبلغ إليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا ما صح نسخه وعلم (?) ناسخه، أو ثبت تخصيصه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015