رسائل ابن حزم (صفحة 1230)

فإن جسده حينئذ أثقل وزناً (?) ويعلم ذلك من اكترى من الحمالين (?) فإنهم يكثرون نهيه عن النوم حتى إذا استيقظ خف وزنه واستقل. وترى النفس في حال النوم قد تشاهد جزءا من النبوة بالرؤيا الصحيحة مما لا سبيل إلى مشاهدته في حال اليقظة. وهكذا كلما انفردت وتخلت عن الجسد أدركت غوامض الأشياء وصحيح العواقب في الآراء حتى إن المرء في تلك الحال لا يسمع كلام من معه ولا يرى كثيرا مما بحضرته (?) .

ثم نعود إلى ما بدأنا به فنقول، وبالله تعالى التوفيق: إنك ترى الإنسان من بعيد صغير الجرم جدا كأنه صبي، وأنت لا تشك بعقلك أنه أكبر مما تراه، ثم لا يلبث أن يقرب منك فتراه على قدره الذي هو عليه الذي لم يشك العقل قط في أنه عليه. وكذلك يعرض لك في الصوت. وأيضا فإن الشيء إذا بعد عن الحاسة جدا بطل إدراكها جملة، فإن الإنسان إذا كان منك على خمسة أميال أو نحوها رأيت (?) شبحه ولم تستبن عينيه ولا سمعت صوته أصلا، حتى إذا قرب استبنت كل ذلك وميزت لون عينيه وسمعت كلامه. وكهدم رأيته من بعيد ولم تسمع صوته ولم يشك العقل أن (?) له صوتا مرعبا لو قربت منه لسمعته. فالعقل في كل ما ذكرنا لا يخون. وأما في حس الجسم فكخردلة تزاد في حمل الإنسان فلا يحس بها البتة، حتى إذا كثر صب الخردل لم يلبث أن يعجز عن الاستقلال به ولو أنه صب على ظهر فيل أو سفينة بحرية. والعقل يعلمك أن تلك الخردلة المصبوبة أولا (?) لها نصيب من الثقل ضرورة، إلا أن الحس قصر عن إدراكه لتأخر إدراك الحس عن إدراك العقل وأنه لا يدرك إلا ما ظهر ظهورا قويا وقد يخفى عليه كثير من الحقائق كما ترى. والعقل، كما بينت لك، يدرك حصة الخردلة من الثقل إدراكا لا فرق بينه وبين إدراكه حصة ما (?) ظهر إلى الحس من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015