وكقول القائل: لما صح التحريم في البر بالبر متفاضلا صح التحريم في الأرز بالأرز متفضلا. وهذا كله تحكم دعوى. وليس يعجز أحد عن ربط شيء بشيء لا رباط بينهما بلسانه إذا استجاز القطع بما اشتهى. وكقول من قال من العميان: لو كان اللون مرئيا لكان العقل مرئيا، فلما كان العقل غير مرئي وجب أن اللون غير مرئي، فتأمل هذا كله تجده بهتانا وجهلا ودالة في (?) غير موضعها كدالة الصبيان على آبائهم ولا فرق.
فلذلك (?) قد أتينا على ما يحتاج إليه من بيان البرهان الصحيح وذكر جمل الجدليات الفاسدة والشغبيات الساقطة وبيان كثير منها بمقدار ما يميزها به الطالب إذا رآها؛ وقلنا إن كل ما عدا البرهان على الطريق (?) التي قدمنا فواجب اجتنابه. ولعمري لقد أكثرنا من البيان وكررنا لأن خطاء أصحابنا كثر في ذلك وفحش جدا فاحتجنا إلى المبالغة في البيان، فلنقتصر على ذلك، ولنأخذ في الزيادة في فضل ما أدركنا (?) بالعقل. وبالله تعالى نعتصم ونتأيد لا إله إلا هو (?) .
16 - باب الكلام في فضل قوة إدراك العقل على إدراك الحواس
واعلم أن الحواس السليمة قد تقصر على كثير من مدركاتها وقد تضعف عنها وقد تخطىء ثم لا يلبث أن يستبين للنفس [79ظ] غلطها وتقصيرها وما خفي عنها وتدركه إدراكا تاما على حقيقته. وإدراك العقل في كل ذلك إدراك واحد، وبالجملة فالعقل قوة أفرد الباري تعالى به النفس ولم يجعل فيه شركة لشيء من الجسد. وإدراك النفس من قبل الحواس فيه للجسد شركة، والجسد كدر ثقيل فإدراكها بالعقل إذا نظرت به ولم تغب عليه الشهوات الجسدية أو سائر أخلاقها المذمومة إدراك صاف تام غير مشوب. ومن أقرب ما نمثل لك به كدر النفس بمشاركتها الجسد وصفائها بانفرادها عنه وخفة الجسد بمشاركة النفس وثقله بانفراده عنها ما ترى من حال النائم